شعبة المخابرات العسكرية في سوريا البُنية، وأدوات القمع

تقدّم هذه الدراسة قراءة معمّقة لشعبة المخابرات العسكرية بوصفها إحدى الركائز الأكثر تأثيراً في بنية نظام الأسد، لا مجرد جهاز أمني ضمن منظومة أوسع. تنطلق من سؤال مركزي حول: ماهية البنية المؤسسية للشعبة، وما هي وأدوارها وصلاحياتها المتشعبة

مُلخَّص

  • تقدّم هذه الدراسة قراءة معمّقة لشعبة المخابرات العسكرية بوصفها إحدى الركائز الأكثر تأثيراً في بنية نظام الأسد، لا مجرد جهاز أمني ضمن منظومة أوسع. تنطلق من سؤال مركزي حول: ماهية البنية المؤسسية للشعبة، وما هي وأدوارها وصلاحياتها المتشعبة.
  • تستعرض الدراسة سريعاً الخلفية التاريخية لتشكّل شعبة المخابرات العسكرية منذ انتقالها من “المكتب الثاني” إلى صيغتها المؤسسية المعروفة منذ عام 1969، ثم تحوّلها مع صعود حزب البعث وترسيخ حكم آل الأسد إلى ما يشبه “دولة داخل الدولة”.
  • تُفكّك الدراسة البنية التنظيمية للشعبة عبر مستويين رئيسين: الفروع المركزية في دمشق، والفروع الإقليمية في المحافظات. شكّلت هذه الفروع شبكة قرار وتخطيط وإدارة مركزية تتحكم بملفات الضباط، وتحركات الوحدات العسكرية، ودورة الاعتقال والتحقيق والإحالة، والملفات الفلسطينية والخارجية، وبناء القدرات الداخلية للجهاز. أما الفروع الإقليمية الاثنا عشر، المنتشرة في المحافظات، فمثلت الامتداد التنفيذي المباشر للشعبة داخل الجغرافيا السورية.
  • تبرز الدراسة كيف أن وظائف هذه البنية تجاوزت النمط التقليدي للاستخبارات العسكرية نحو إدارة منظومة قمع شاملة. فقد راكمت الشعبة أدوات متعددة: مراقبة شاملة للجيش والمجتمع عبر التنصت وشبكات المخبرين؛ اعتقالات تعسفية مبنية على قوائم المطلوبين والوشايات؛ اعتقالات وقائية لإجهاض الاحتجاج قبل حدوثه؛ احتجاز في ظروف تؤدي إلى فقدان الحياة؛ تعذيب ممنهج ؛ واستخدام منظّم للقضاء العسكري ومحاكم الإرهاب والميدان لتحويل الاعتقال التعسفي والتعذيب إلى مسار “قانوني” منتهٍ إلى السجون العسكرية أو الإعدام.
  • تؤكد الدراسة أن تفكيك إرث شعبة المخابرات العسكرية في سورية الجديدة لا يمكن أن يُختزل في تغيير أسماء الفروع، بل يقتضي مقاربة مركّبة تجمع بين العدالة الانتقالية، وإصلاح القطاع الأمني، وإعادة تعريف وظيفة الاستخبارات العسكرية ضمن عقد اجتماعي جديد. فحصر اختصاص الجهاز بالمجال العسكري، وفتح الأرشيف أمام ضحايا الاعتقال والإخفاء، وإعادة كتابة الذاكرة العامة حول سجون المخابرات العسكرية، كلها شروط أساسية لقطع الطريق على إعادة إنتاج “الدولة الأمنية” بثوب جديد.

مقدمة

شكّلت شعبة المخابرات العسكرية، بوصفها أحد أبرز أذرع النظام الأمني في سوريا، حجر الأساس في بناء منظومة القمع والإخضاع في الدولة السورية منذ ما بعد الاستقلال وحتى سقوط نظام الأسد في نهاية عام 2024. ولكن الدور الأبرز لها رافق صعود حزب البعث في عام 1963، ثم تكريس حكم آل الأسد على مدار العقود الخمسة التالية. تجاوزت الشعبة، في مهامها وأدوارها، الطبيعة العسكرية المجرّدة، لتحوّل نفسها إلى أداة شاملة للضبط الأمني والسياسي والاجتماعي، مزوّدة بصلاحيات استثنائية عابرة للقانون، ومحصّنة من أي رقابة أو مساءلة. وكان لتغوّل هذه المؤسسة الأثر الأكبر في تكريس منطق الدولة البوليسية والأمنية في “سوريا الأسد” وتشكيل الوعي العام والخوف بأن المخابرات، لا القضاء أو القانون، هي المرجعية الفعلية لحياة الأفراد ومصائرهم.

تُعد شُعبة المخابرات العسكرية واحدة من أقدم أجهزة الاستخبارات في سوريا، وتأسّسَت بشكلها المعروف عام 1969، إذ كانت تُعرف قبلها باسم إدارة الاستخبارات العسكرية(1) أو ما كان يسمى حينها المكتب الثاني (Deuxième Bureau) الذي تعود جذوره إلى فترة الانتداب الفرنسي(2). لاحقاً، شكّلت شُعبة المخابرات العسكرية، المعروفة أيضاً باسم “الأمن العسكري”، أحد أبرز أجهزة الاستخبارات التابعة لنظام الأسد إضافة لإدارة المخابرات الجوية وإدارة المخابرات العامة (أمن الدولة)، وشعبة الأمن السياسي.

على الرغم من تبعية شعبة المخابرات العسكرية رسمياً لهيئة الأركان العامة وبالتالي وزارة الدفاع؛ إلا أنها لعبَت أدواراً محورية في تسمية رئيس هيئة الأركان ووزير الدفاع، كما أنها ارتبطت بمكتب الأمن الوطني. وقد اضطلعت الشعبة بجملة من المهام، أبرزها: جمع المعلومات الاستخباراتية العسكرية، تأمين الحدود، مراقبة الاتصالات العسكرية، ومتابعة سلوكيات العناصر العسكرية للكشف عن التهديدات الأمنية الداخلية، كما كانت مسؤولة عن مراقبة مراكز الاحتجاز العسكرية(3).

ولم تقتصر مهامها على الجانب العسكري، بل شاركت على نطاق واسع في عمليات الاعتقال والاحتجاز والإخفاء القسريّ، ومثَّلت الجهاز الأكثر تغولاً في حياة المدنيين، إذ كانت الجهة المسؤولة عن إصدار أكبر عدد من مذكرات التوقيف بحق السوريين(4)، بالإضافة لسطوتها المعروفة داخل الجيش ذاته(5).

وعليه، تسعى هذه الدراسة إلى البحث في شعبة المخابرات العسكرية ذاتها بوصفها إحدى الركائز المركزية لمنظومة الأمن في سوريا وبالأخص خلال الفترة 2011-2024. ومن هذا المنطلق، تُعنى الدراسة بتفكيك البُنية المؤسسية للشعبة، وحدود اختصاص فروعها المركزية والإقليمية، وأنماط تداخلها مع باقي الأجهزة الأمنية والقضائية، باعتبارها القاعدة التي يُعاد إنتاج العنف والهيمنة من خلالها.

تنبع أهمية هذه الدراسة من أنها تسلط الضوء على شعبة المخابرات العسكرية بوصفها فاعلاً مؤسسياً كاملاً، لا مجرد “جهاز أمني” ضمن منظومة “أمن وطني” أوسع. فهي تحاول أن تُظهر كيف تحوّلت الشعبة إلى عقدة رئيسة في شبكة الانتهاكات الجسيمة التي وُثقت خلال الثورة السورية، وكيف أسهمت بنيتها وآليات عملها في إنتاج التعذيب الممنهج والإخفاء القسري، وفي التحكم بمسارات مئات آلاف المعتقلين. وتمتد إلى محاولة تقديم مدخل إلى دعم جهود المساءلة الجنائية والإدارية لقادة الشعبة ورؤساء أفرعها وكذلك عناصرها من العسكريين أو المتعاقدين المدنيين، ورفد آليات البحث عن المفقودين والمختفين قسراً بمعلومات، تُسهم بخلق فهم أعمق للشعبة بالتوازي مع فهم مسارات الإحالة التي ادارتها فروع المخابرات العسكرية طوال سنوات الثورة، وهو موضوع الدراسة السابقة المنشورة بعنوان: “إحالة المدنيين إلى السجون العسكرية خلال الثورة السورية: الإجراءات والمسارات والبوابات القضائية (سجن صيدنايا نموذجاً)”(6).

بناءً على ما سبق، يتلخّص سؤال الدراسة الرئيس في محاولة معرفة وفهم: أدوار ومهام شعبة المخابرات العسكرية والبنية التنظيمية لها، وأدوات القمع التي مكّنتها من التغلغل في المجتمع المدني والعسكري السوري، وكذلك التحكم بمسارات الاعتقال والتحقيق والإحالة القضائية؟

وضمن إطار هذا السؤال المركّب، تندرج مجموعة من الأسئلة الفرعية التي تشكّل إجاباتها بُنية وهيكلية هذا الدراسة:

  • ما هي أدوار، مهام وحدود صلاحيات شعبة المخابرات العسكرية؟
  • ما البُنية التنظيمية لشعبة المخابرات العسكرية (الفروع المركزية، الفروع الإقليمية)، وما هي تبعياتها الإدارية وحدود اختصاصاتها وصلاحياتها.
  • ما هي أدوات الشعبة في القمع والسيطرة (مراقبة الجيش والمجتمع، الاعتقال، التحقيق، الإحالة القضائية)، وكيف تُستخدم بشكل عملي في إدارة الملفات الأمنية للمعتقلين؟

للإجابة عن تلك الأسئلة، اعتمدت الدراسة إلى نوعين رئيسيين من مصادر البيانات (أوليّة وثانويّة) تم توظيفهما بشكل تكاملي لفهم وتحليل الشعبة محل الدراسة، ويمكن إجمالها كما يلي:

أولاً، وثائق الأجهزة الأمنية المسرّبة: يشمل ذلك مئات الوثائق الصادرة عن شعبة المخابرات العسكرية وفروعها المختلفة، إضافة إلى ملفات إحالة واعتقال ورد ذكرها في تقارير تحليلية، ووثائق أقدم تعود لمرحلة السبعينيات وأخرى حديثة ظهرت بعد سقوط النظام، تُظهر موقع الشعبة ضمن بنية السلطة في عهد الأسد الأب والابن.

ثانياً، مقابلات: أُجريت مع شرائح مختلفة ذات صلة مباشرة بموضوع الدراسة، من بينها: ضابط سابق منشق عن شعبة المخابرات العسكرية، وناشطين حقوقيين عملوا على توثيق الانتهاكات.

ثالثاً، دراسات وأوراق وتقارير حقوقية وأممية: صادرة عن جهات محلية ودولية تناولت ملف الأجهزة الأمنية في سوريا، وعلى رأسها شعبة المخابرات العسكرية، أو ركّزت على أنماط الاعتقال والتعذيب والإخفاء القسري، ومسارات الإحالة إلى السجون والمحاكم العسكرية.

أولا: أدوار، مهام وحدود صلاحيات شعبة المخابرات العسكرية

في البنية الأمنية والسياسية التي رسّخها حافظ الأسد مطلع السبعينات، برزت شعبة المخابرات العسكرية كأحد أعتى أدوات الحكم وأكثرها نفوذاً. فرغم تعريفها الرسمي كجهاز مختص بالمؤسسة العسكرية، سرعان ما تحوّلت إلى جهاز ردع شامل يتقاطع فيه الأمني بالسياسي، والولاء الشخصي بالرقابة على الجيش والمجتمع معاً. خضعت الشعبة مباشرةً لسلطة الأسد دون المرور بالهيكل الحزبي الرسمي، وعملت كأحد مراكز القرار الموازية، بحيث تجاوز نفوذها حزب البعث ومؤسسات الدولة.

لم يكن دور الشعبة مقتصراً على الرقابة الداخلية على الجيش بشكل عام، والضباط السنّة بشكل خاص، عبر رصد تحركاتهم ورفع تقارير ولاء دورية تحبط مسبقاً أي إمكانية لتشكّل تيار مناهض للحكم داخل المؤسسة العسكرية؛ بل امتد أيضاً لمراقبة الخصوم السياسيين وتتبع حركات المعارضة المدنية. وقد ظل حزب البعث نفسه خارج دائرة التأثير في عمل الشعبة، على الرغم من أن غالبية ضباطها وعناصرها منتمين تنظيمياً للحزب، وتوجد بداخلها هياكل حزبية فرعية. عملياً، كانت الشعبة تعمل بمنأى عن أطر الرقابة والمحاسبة الحزبية، وتأتمر مباشرة بتعليمات القصر الرئاسي وبإشراف مكتب الأمن القومي، ما جعلها دولةً داخل الدولة وجوهر المنظومة الأمنية التي وُرّثت لاحقاً إلى عهد الأسد الابن مع تعديلات شكلية لا تمسّ هذا التغوّل.

مع انطلاق الثورة السورية في آذار/مارس 2011، تضاعفت أدوار الشعبة وتوسّعت صلاحياتها، وانتقلت من مراقبة الحياة العامة إلى قيادة جزء رئيسي من المواجهة الأمنية مع الحراك الشعبي. إذ لعبت دوراً مباشراً في قمع المظاهرات السلمية وإدارة حملات الاعتقال الجماعية، لا سيما في المناطق ذات الثقل العسكري أو القريبة جغرافياً من العاصمة، وكذلك في المحافظات عبر الفروع الإقليمية والأقسام والمفارز المنتشرة على امتداد البلاد. تحوّلت هذه الفروع والمفارز إلى مراكز توقيف وتحقيق أوليّ تمارس فيها التعذيب والمعاملة القاسية، ثم تُحال ملفات من نجا من التعذيب فيها إلى القضاء العسكري ومحاكم الميدان العسكرية، قبل نقل عشرات الآلاف منهم إلى السجون العسكرية وعلى رأسها سجن صيدنايا العسكري، بموجب قرارات صادرة عن ضباط الفروع أو توصيات موجهة إلى قضاة تلك المحاكم.

اضطلعت شعبة المخابرات العسكرية بعدد كبير من المهام، تجاوزت النمط التقني المتعارف عليه لأجهزة الاستخبارات العسكرية. ففي الجيش تتحكم الشعبة عملياً في مسارات نقل الضباط وترفيعهم داخل القوات المسلحة، إضافة إلى مراقبة سلوكهم وتقييم ولائهم (7). علماً أن رئيس الشعبة عضو في مجلس الدفاع العسكري داخل القوات المسلحة (8)، وهو كذلك أحد أعضاء لجنة الضباط في الجيش(9).

كما تراقب الشعبة حركة الوحدات العسكرية وتشكيلاتها ومستوى جهوزيتها وولائها، وتُحفظ لديها سجلات القواعد والوحدات والمدفعية، ولا تُنفذ تحركات رئيسة للوحدات إلا بموافقته وتنسيقه، إلى جانب إشرافها على الشرطة العسكرية المرافقة للتشكيلات القتالية(10).

وتتولى الشعبة أيضاً مهاماً تقنية واستخبارية واسعة من خلال فروع متخصصة، أبرزها فرع الإشارة وفرع الاتصالات وغيرها. يتكفّل فرع الإشارة بمراقبة اتصالات الجيش والأجهزة الأمنية اللاسلكية، وتشفيرها، وإجراء المسوحات الفنية والتنصت، فيما يراقب فرع الاتصالات جميع الخطوط السلكية واللاسلكية في القوات المسلحة ويشرف على تنفيذ مشاريع الاتصالات العسكرية في البلاد. كما تتابع الشعبة نشاط الإنترنت ومراقبة الفضاء الافتراضي، والتدخل في حجب المواقع أو اختراق النشاطات الإلكترونية، ومتابعة وسائل الإعلام المحلية والدولية والوسائط الرقمية واستخدامها في إنتاج تقديرات موقف أمنية موجّهة للقيادة. وعلى المستوى العملياتي، تنفّذ الشعبة عبر فروعها ومفارزها المداهمات والاعتقال والخطف والاغتيال، وتدير مراكز احتجاز تابعة لها تمارس فيها التعذيب بأشكاله المختلفة (11).

امتلكت شعبة المخابرات العسكرية سطوة كبيرة في إدارة سجن صيدنايا العسكري، حيث تتولى الشعبة الإشراف على المبنى الأبيض في سجن صيدنايا العسكري، كما لا يستطيع أحد دخوله أو زيارة أي معتقل فيه دون إذن من الشرطة العسكرية يحصل عليه بعد موافقة أمنية مسبقة من شعبة المخابرات العسكرية. بالإضافة لذلك فإن الشعبة تقدم حماية للسجن عند الباب الأوسط من خلال مفرزة تتبع للفرع 227 فرع المنطقة، ومهمتها ليس الحماية فقط، بل مراقبة السجن أمنياً أيضاً، بالإضافة إلى التعامل مع أهالي المعتقلين الأمنيين أثناء الزيارات، واعتقال أي زائر يخل بالتعليمات أو بأمن السجن. كما تتبع الشعبة عمليات تعيين الضباط في السجن، أو نقلهم منه أو إليه، وتستقبل تقارير دورية متخصصة تُرسل إلى فروع مركزية متعددة بحسب طبيعة التقرير، فيما يفرض حضور ضابط من الشعبة ضمن لجنة تنفيذ أحكام الإعدام(12).

تتجاوز مهام الشعبة وصلاحياتها، بالتكامل مع الأجهزة الأخرى، النمط التقليدي للاستخبارات العسكرية إلى إدارة شبكة قمع داخلي واسعة. فأجهزة الاستخبارات السورية الأربع، وعلى رأسها شعبة المخابرات العسكرية، تمتلك سلطة فعلية غير محددة لإجراء الاعتقالات والتفتيش والاستجواب والاحتجاز، وتعمل بدرجة عالية من الاستقلالية وترفع تقاريرها مباشرة إلى رأس النظام، مع تورّط جميعها في قتل متظاهرين عزّل والاعتقال التعسفي والتعذيب. قبل 2011 تمثّل الدور الأساسي لهذه الأجهزة في مراقبة المواطنين عبر شبكة من المخبرين والضباط المنتشرين في كل قطاع من قطاعات الحياة العامة، ثم توسّع هذا الدور خلال الثورة ليشمل قيادة عمليات القمع الميداني ومواكبة الحملات العسكرية وتأمين الغطاء الأمني لإطلاق النار على المتظاهرين وحملات الاعتقال الواسعة والنقل إلى مراكز التحقيق والسجون العسكرية(13).

إلى جانب ذلك، تضطلع الشعبة بمهام ذات بعد خارجي أو تخصصي يتجاوز الأمن الداخلي للجيش. فهي، عبر الفرع 235، تتابع الملف الفلسطيني داخل سوريا وخارجها، ترصد المنظمات الفلسطينية وتحاول اختراقها وتوجيهها، وتراقب اللاجئين الفلسطينيين، قبل أن تتسع صلاحيات الفرع لملاحقة التنظيمات الإسلامية ووصم قطاعات واسعة من النشاط السياسي والديني بتهديد “أمني”. كما يتولى فرع القنيطرة (سعسع) الشؤون الاستخبارية في الجولان المحتل، مراقبة قوات الأمم المتحدة والتنسيق مع فصائل فلسطينية مسلّحة. وتشرف الشعبة كذلك على “مدرسة المخابرات العسكرية” المكلّفة بتدريب كادرها على العلوم الأمنية والعسكرية، بما يجعل من بناء القدرات الداخلية جزءاً بنيوياً من مهمتها ويكرّس استمرارية دورها في الضبط الأمني للمجتمع والجيش معاً (14).

لا يمكن فهم حجم الانتهاكات الجسيمة التي مارستها الأجهزة الأمنية دون تفكيك البنية المؤسسية التي مهّدت لها، وعلى رأسها شعبة المخابرات العسكرية. فالمجازر داخل المعتقلات، وتدفق الإحالات إلى المحاكم العسكرية ومحاكم الميدان، ثم إلى سجن صيدنايا، لم تكن قرارات معزولة أو ممارسات فردية، بل حصيلة لبنية أمنية مغلقة تتمتع باستقلال وظيفي وإداري، وتُدار بآليات داخلية لا تخضع لأي مبدأ من مبادئ سيادة القانون. مكّنت هذه البنية الشعبة من رسم مسارات قمع متكاملة تبدأ بالاعتقال والتحقيق والتعذيب، ولا تنتهي عند التصفيات الجسدية، بل تمتد إلى السيطرة على المؤسسة العسكرية وتحديد مسارات الترقية والعقوبة لضبّاطها، بما يضمن إحكام الحلقة الأمنية واستدامتها.

ثانياً: بُنية شعبة المخابرات العسكرية

اعتمدت شعبة المخابرات العسكرية نظاماً مرجعياً رقمياً ثلاثياً لترميز فروعها، سواء المركزية في دمشق أو الإقليمية في المحافظات، ومن أبرز فروعها المركزية: فرع التحقيق (248)، فرع فلسطين (235)، فرع المداهمة (215)، فرع المنطقة في دمشق (227)، وفرع حلب (290). إضافة إلى أقسام فرعية في مختلف المدن(15)، وكذلك مئات الحواجز والمفارز التي انتشر فيها عناصر الشعبة خصوصاً بعد عام 2011(16). علماً أن الشعبة قد أسست على مدار السنوات اللاحقة عدداً كبيراً من الميليشيات التابعة لها، والتي مارست ذات الأدوار المناطة بعناصر الشعبة، خاصة في تنفيذ الاعتقالات والانتهاكات(17).

يرأس شعبة المخابرات العسكرية ضابط برتبة لواء، ويتم تعيينه بقرار من القائد العام للجيش والقوات المسلحة، ولديه معاون أيضاً برتبة لواء، وغالبا ما كان يأتي يرأس الشعبة ضباط سبق لهم الخدمة في فروع مركزية مهمة، كالفرع 235 أو الفرع 293 أو الفرع 294، أو الفرع 227. وتشكلت الشعبة من نواة نخبوية أمنية وطائفية متماسكة، تولّى قيادتها منذ عام 1974 وحتى سقوط النظام ضباط من الطائفة العلوية حصراً(18). حيث تتجلى أهمية ذلك بأن الشعبة مسؤولة عن مراقبة الجيش ووولاءه وأداءه، وبالتالي تكون هي صمام الأمان للجيش باعتباره القوة الأكبر والأقوى في حماية نظام الأسد البائد، وهو ما جعل الشعبة في حالة تطييف عالية سواء على مستوى رؤسائها أو رؤساء الفروع التابعة لها.

Chart

الشكل (1): التوزع الطائفي لرؤساء شعبة المخابرات العسكرية منذ عام 1965

الشكل (2): المخطط الزمني للتوزع الطائفي لرؤساء فروع شعبة المخابرات العسكرية منذ عام 1965

Chart

الشكل (3): التوزع الطائفي لرؤساء فروع شعبة المخابرات العسكرية منذ عام 1965

أولاً: الفروع المركزية

اكتسبت الفروع المركزية لشعبة المخابرات العسكرية أهمية خاصة لكونها تشكّل النواة الصلبة للجهاز، والجهة التي تُصاغ فيها التوجيهات العامة وتُدار عبرها الملفات الأمنية الأوسع على مستوى الدولة والجيش والمجتمع. فهي تتولى رسم أولويات العمل الاستخباراتي، وتنسيق العلاقة بين الشعبة وبقية الأجهزة الأمنية والقضائية، إضافة إلى الإشراف على منظومة الاعتقال والتحقيق والإحالة القضائية، ومراقبة ولاء التشكيلات العسكرية.

وعليه، يستعرض هذا القسم أبرز الفروع المركزية للشعبة، اختصاص كل منها، وموقعه ضمن الهيكل العام، بما يتيح تفكيك الأدوار المتكاملة التي أدّت في مجموعها إلى إنتاج جهاز أمني شديد المركزية وواسع النفوذ.

الفرع 248، فرع التحقيق

يعد الفرع 248 فرع التحقيق المركزي في الشعبة ويقع في المربع الأمني في حي كفرسوسة جنوب غربي دمشق إلى جانب فروع أمنية أخرى. تولى الفرع 248 القيام بأعمال التحقيق مع الموقوفين بمختلف الجرائم بما فيها الجرائم الواقعة على أمن الدولة الداخلي والخارجي والتنظيمات السياسية والجمعيات السرية المعادية بمختلف أنواعها وحالات التظاهر والشغب وجرائم العصيان والتمرد وأعمال التهريب بكافة أنواعه وحيازة الأسلحة والذخيرة والاتجار بها بصورة غير مشروعة والجرائم الواقعة على الأشخاص وعلى الإدارة العامة والأموال وتزييف العملة والتزوير وتعاطي المخدرات والتنقيب عن الآثار والاتجار بها وعصابات الأشرار التي لا تحمل صفة سياسية والجرائم المخلة بسير القضاء وقضايا إثبات الشخصية ومكتومي القيد والجنسية المشبوهين أمنياً إضافةً للجرائم العسكرية بمختلف أنواعها والجرائم المخلة بالآداب العامة(19).

كما تولى الفرع دراسة وتدقيق كافة الملفات التحقيقية التي تحال من أفرع الشعبة وإبداء الرأي القانوني حيالها واستثمارها وعرض الملاحظات على رئاسة الشعبة لتداركها أصولاً وتقديم الاستشارات القانونية التي تهم الشعبة. بالإضافة لإعداد المذكرات اللازمة لعدم ملاحقة عناصر الشعبة قضائياً في حال الاشتباكات المسلحة ومبررات ذلك، ومتابعة أوضاع عناصر الشعبة لدى الجهات القضائية. وكذلك القيام بإجراءات إحالة الموقوفين المقرر إحالتهم إلى محكمة الميدان العسكرية من الفروع المركزية إلى تلك المحكمة.

كما وافى الفرع 248 مكتب الأمن الوطني بتقارير يومية عن الأشخاص الذين يتم توقيفهم من قبل فروع الشعبة والمحالين منهم إلى الجهات الأمنية أو القضائية والموقوفين المتوفين. وإجابة مكتب الأمن الوطني والأجهزة الأمنية الأخرى حول أوضاع الموقوفين والمطلوبين لصالح الشعبة. وبالإضافة لتلك المهام قام الفرع عند الضرورة بمؤازرة فروع الشعبة بملاحقتها للمجموعات “الإرهابية المسلحة” حيث قام الفرع بفرز عناصر منه لصالح الفروع الأخرى واللجان الأمنية المشكلة. ويتألف الفرع من عدد من أقسام التحقيق (سياسي – التهريب – الجنائي – المسلكي – المتابعة والسجن) وعدد من المكاتب التي تقوم بمعالجة المواضيع المشار إليها أعلاه كل حسب اختصاصه. كما يتواجد في الفرع ثلاثة سجون هي (السجن الرئيسي- سجن وحدة التقييم – سجن النساء).

الوحدة 215، سرية المداهمة

شكلت الوحدة 215 أو الفرع 215 أحد أبرز أذرع شعبة المخابرات العسكرية في منظومة القمع التابعة لنظام الأسد، وتميز بطبيعته المزدوجة بين كونه جهازاً للتحقيق والتوثيق، وبين كونه وحدة ميدانية قتالية متخصّصة بالمداهمات والاعتقالات في دمشق وريفها. حمل الفرع تسميات رسمية متعددة مثل الوحدة 215 وسرية المداهمة، ما يعكس دوره المتحول بين العمل الإداري والاستخباري من جهة، والعمليات الميدانية من جهة أخرى(20).

كان موقع الفرع في كفرسوسة ضمن المربع الأمني لشعبة المخابرات العسكرية، إلى جانب فروع أخرى مثل 227 و248 و293، ما جعله مركزاً رئيسياً في دورة الاعتقال والإخفاء داخل العاصمة. وارتبط مباشرة بمشفى 601 العسكري، حيث كانت جثث الضحايا تمرّ شكلياً قبل تسجيل وفاتهم لأسباب طبية مزعومة، ومن ثم تحويل ملفاتهم إدارياً إلى الفرع 248 لإغلاقها. هكذا تكوّنت البنية الإدارية للقتل التي تربط بين الفروع والمشافي والشرطة العسكرية.

يشكل الفرع 215 منظومة متكاملة تُحوّل الاعتقال والتحقيق والتصفية إلى إجراءات مكتبية موثقة. ويعتبر واحد من أكبر وحدات الشعبة من حيث التعداد والمهام، إذ ضم نحو 2000 عنصر موزعين على تسعة أقسام رئيسية وخمس سرايا قتالية، تعمل جميعها في ضبط دورة العنف منذ لحظة الاعتقال وحتى الإخفاء أو القتل.

يتألف الفرع 215 من بنية مؤسسية واسعة تجمع بين أقسام إدارية وأمنية وتقنية تشكّل مجتمعةً مركز تشغيل دورة الاعتقال والمراقبة. ففي قلب هذه البنية يأتي قسم الديوان بوصفه الجهاز الإداري الذي يدير الذاتية والمراسلات والأرشفة والتدريب، بينما يشكل قسم المعلومات الغرفة التحليلية التي تجمع البيانات وتُدخلها في منظومات الأرشفة الرقمية. ويعمل إلى جانبهما قسم مكافحة الإرهاب باعتباره الجناح الميداني الأكثر نشاطاً، إذ يضم مكاتب التحقيق والعمليات ومفرزة السجن ويشكل محور التوقيف والتصفية. وتتكامل هذه البنية مع القسم الفني المسؤول عن الاتصالات والشبكات وأنظمة المراقبة، وقسم الشؤون الإدارية الذي يؤمن الخدمات واللوجستيات داخل الفرع، إضافة إلى قسم التحقيق الذي يدير التحقيقات التفصيلية، وقسم الهندسة المختص بكشف المتفجرات والمسوح الوقائية، وقسم الشؤون الفنية الذي يشرف على تجهيزات التشغيل التقنية.

أما على المستوى الميداني، فتشكل السرايا الخمس الذراع التنفيذية للفرع وهي: سرية المداهمة التي تتولى اقتحامات واعتقالات دمشق وريفها، سرية المفارز والحراسة المسؤولة عن الحواجز وتأمين المنشآت، سرية المتطوعات لمعالجة الملفات المرتبطة بالنساء، سرية الخدمات والدعم اللوجستي للنقل والإمداد وإدارة المستودعات، وسرية الهندسة والمسح الميداني المكلفة بكشف المتفجرات والأجسام المشبوهة. وبهذا التماسك بين الأقسام المكتبية والسرايا الميدانية تعمل الوحدة 215 كمنظومة أمنية وعسكرية متكاملة تجمع بين الإدارة والتحقيق والرصد والتنفيذ.

الفرع 216، فرع الدوريات

يقع الفرع 216 والمعروف أيضاً باسم فرع الدوريات، في مدينة دمشق ضمن القطاع الجنوبي للعاصمة، في منطقة القزاز على طريق مطار دمشق الدولي. ويندرج الفرع ضمن الفروع المركزية لشعبة المخابرات العسكرية.

يُعد الفرع 216 الذراع التنفيذية الميدانية لشعبة المخابرات العسكرية رفقة الوحدة 215، إذ تولى تنفيذ الأوامر الصادرة عن قيادة الشعبة والفروع المركزية فيما يخص العمليات الأمنية على الأرض. ويتكفّل عملياً بعمليات المداهمة والاعتقال وإلقاء القبض على المطلوبين، وملاحقة الأهداف التي تتطلب حضوراً ميدانياً مباشراً لعناصر وضباط أمن، ويعمل كحلقة الوصل بين غرف القرار الأمني وبين الفضاء الميداني في الأحياء والمدن والبلدات(21).

تُظهر الوثائق أن هذه المراقبة لم تكن عشوائية، بل ممنهجة وموزعة جغرافياً ووظيفياً. فمثلاً، كانت متابعة السفارة السعودية تقع ضمن مسؤولية قطاع المزة الغربية، بالتعاون بين “الوحدة 215″ و”فرع 216” (القطاع الجنوبي)، بينما تُحال المعلومات النهائية إلى “الفرع 294” للمراجعة المركزية. هذا التقسيم الإداري يؤكد أن النظام كان يدير عمله الأمني الخارجي بالمنطق نفسه الذي يُطبَّق داخل المعتقلات: تسلسل هرمي صارم، تقارير يومية، وأرشفة مركزية دقيقة(22).

على مستوى سجل الانتهاكات، تحوّل الفرع 216 إلى أحد أبرز رموز القمع في المنظومة الأمنية السورية. وتكرر اسمه ضمن مراكز الاعتقال التي شهدت تعذيباً ممنهجاً ووفاة معتقلين تحت التعذيب، وبالأخص بعد عام 2011. يُنظر إلى الفرع 216 كنموذج مصغَّر عن منظومة القمع التي تمارسها شعبة المخابرات العسكرية كذراع تنفيذية ميدانية تقود المداهمات والاعتقالات في الخارج، ومركز احتجاز واستجواب يعتمد التعذيب الممنهج في الداخل، وواجهة مكثفة للانتهاكات التي تطالب عائلات الضحايا والناجون بمحاسبة مرتكبيها ضمن أي مسار عدالة انتقالية مقبل.

الفرع 235، فرع فلسطين

يقع الفرع 235 المعروف بفرع فلسطين في جنوب دمشق، في حي القزاز على طريق مطار دمشق الدولي، ضمن كتلة أمنية تضم مقار عدة، من بينها فرع الدوريات 216 الملاصق له تقريباً. يشغل الفرع مبنى كبيراً من سبعة طوابق فوق الأرض، وثلاثة طوابق تحتها مخصصة للاحتجاز والتحقيق.

يُعد الفرع 235 من أقدم وأهم فروع شعبة المخابرات العسكرية، وقد أُنشئ ليكون الذراع الرئيسة للنظام في إدارة “الملف الفلسطيني”. عند تأسيسه أوكلت إليه مهمة مراقبة المنظمات الفلسطينية واللاجئين الفلسطينيين في سوريا، وتنسيق العلاقة الأمنية والسياسية مع الفصائل المسموح لها بالعمل داخل البلاد، مثل حركة فتح، وحركة الصاعقة، والجبهة الديمقراطية، والجبهة الشعبية وغيرها، من خلال وحدة خاصة عُرفت باسم “وحدة الضابطة الفدائية” المعنية بشؤون جيش التحرير الفلسطيني والفصائل المسلحة المرتبطة به. غير أنّ دوره توسّع تدريجياً، فغدا بحجم إدارة استخباراتية كاملة تنشط على الصعيدين الداخلي والخارجي(23).

تتسم البنية الداخلية لفرع فلسطين بدرجة عالية من التعقيد تتناسب مع حجم مهامه. يتوزع المبنى العلوي إلى طوابق يتخصص كل منها بفئة من الملفات، مثل ملفات الإسلاميين، وقضايا الأسلحة والتزوير، والملفات السياسية للمعارضين، وملف الفلسطينيين وكذلك الإرهاب. أما الطوابق الثلاثة تحت الأرض فتُستخدم كزنازين ومهاجع وغرف تحقيق.

ومع اندلاع الثورة السورية عام 2011 أُوكل إليه دور مركزي في قمع الحراك في جنوب دمشق، فركّز على ملاحقة العسكريين المنشقين واعتقال النشطاء والمعارضين والمدنيين، ما كرّس سمعته كواحد من أكثر الفروع الأمنية بطشاً في وعي السوريين. وسجّل الفرع في سنوات الثورة نمطاً متكرراً من الانتهاكات الجسيمة. كما سُجّل مقتل ما لا يقل عن 520 معتقلاً فلسطينياً تحت التعذيب بين 2011 و2018، وهو رقم جزئي يعكس فقط شريحة من الضحايا(24). وبحسب المعلومات المتوفرة فقد قضى داخل فرع فلسطين 2710 معتقلاً في الفترة ما بين 2011 و2020(25).

الفرع 291، فرع صف الضباط والأفراد

يُعدّ الفرع 291، المعروف بعدة أسماء منها فرع صف الضباط والأفراد أو أمن القوات أحد الفروع المركزية في شعبة المخابرات العسكرية، ويعرفه البعض بأن فرع المقر أو الإداري ولكن الفرع اختص بالعسكريين من صف الضباط والأفراد ومراقبتهم وضمان ولائهم للنظام سواء داخل الفروع الأمنية أو الوحدات العسكرية، والتحقيق معهم في حال وجود شبهات، بالإضافة لقيامه بتنفيذ عمليات التحقيق والاعتقال(26). وبشكل مشابه للفرع 293 يرتبط ضباط الأمن وصف ضباط الأمن ضمن كل وحدة بالفرع 294.

ويضطلع بدور رقابي داخلي على ضباط الجهاز وعناصره، عبر متابعة السلوك الوظيفي والولاءات، ورفع تقارير تقييم دورية تُستخدم في قرارات الترقية والنقل والعزل، وتُرفع مباشرة إلى قيادة الشعبة وفي بعض الأحيان لرئاسة الجمهورية بشكل مباشر(27).

ولم يقتصر عمل الفرع على العسكريين فقط بل امتد ليشمل المدنيين أيضاً، وشارك بشكل مكثف في عمليات الاعتقال والتحقيق بحق المدنيين، وسجلت في الفرع عمليات اعتقال وتعذيب، أسوة ببقية فروع شعبة المخابرات العسكرية.

الفرع 293، فرع الضباط

يُعدّ الفرع 293، المعروف بفرع شؤون الضباط أو فرع أمن الضباط في شعبة المخابرات العسكرية، أحد أهم الأذرع المركزية للشعبة وأقواها تأثيراً داخل المؤسسة العسكرية. يقع مقره في حي كفرسوسة بدمشق ضمن ما يُعرف بـ “المربّع الأمني” رفقة عدد من الفروع الأمنية الأخرى.

وظيفياً، تولى الفرع 293 مهمة مراقبة الضباط في الجيش السوري على اختلاف رتبهم وتشكيلاتهم، وجمع المعلومات عن تحركاتهم وسلوكهم وانتماءاتهم، وإعداد ملفات أمنية مفصلة لكل ضابط. وكان النظام يعتمد على تقارير هذا الفرع في قرارات الترقية والنقل والإقصاء، لا سيما في المناصب الحساسة، بحيث يتحول الولاء الأمني إلى معيار حاسم لمسار الضابط المهني. ويرتبط الفرع مباشرة برئاسة شعبة المخابرات العسكرية، بينما يتمتع رئيسه بقناة اتصال مباشرة مع رئيس الجمهورية عند البت في القضايا الكبرى المتعلقة بضباط الجيش، ما يجعل الفرع 293 بمثابة “جهاز الرقابة الداخلية” على القوات المسلحة وأداة رئيسية لضمان ولاء قيادتها العسكرية(28). ويرتبط ضباط الأمن في كافة الوحدات العسكرية بهذا الفرع ويتم تقديم تقارير أمنية للفرع عن الضباط وأحوال هذه الوحدات.

وتلقى الفرع معلومات أمنية من فروع أمنية أخرى كالفرع 248 والفرع 235 والفرع 291 والفرع 227 وغيرها من الفروع وبالأخص حين تم توقيف أو التحقيق مع ضباط من الجيش، وعلى الرغم من أن دور الفرع هو ضبط الضباط داخلياً، إلا أنه بالإضافة لعمله الأساسي انخرط مباشرة في الاعتقال والتعذيب والإخفاء القسري، خاصة بحق الضباط والكوادر العسكرية المشتبه بولائهم أو المنشقين “المصالحين”.

الفرع 294، فرع المعلومات

يعتبر الفرع 294 بأنه أحد الفروع المركزية لشعبة المخابرات العسكرية ذات الاختصاص على مستوى الجيش ككل. وأحياناً يُشار له باسم فرع أمن القوات نتيجة تداخل أعماله مع الفروع الأمنية ووحدات الجيش(29)، ويتمحور اختصاصه حول مراقبة تشكيلات الجيش كافة، عبر متابعة تحركات الفرق والألوية والوحدات، وضبط درجة انضباطها وولائها لقيادة النظام. ولهذا الغرض يحتفظ الفرع بملفات تفصيلية عن المعسكرات والتشكيلات تتضمن حالتها القتالية، وجاهزيتها، وتركيبتها البشرية، ومستوى ولائها(30)

يمتلك الفرع سلطة عملية واسعة على حركة القوات المسلحة عموماً. إذ لا يُسمح لأي قوة عسكرية كبيرة بالتحرك بين المواقع من دون تنسيق وموافقة مسبقة من الفرع 294 في حين يتحقق فرع الدوريات 216 منها. يمنح الفرع 294 فعلياً “ترخيص الحركة” بهدف مراقبة أي تحركات غير مصرح بها أو تنطوي على شبهة تمرّد أو انشقاق(31). كما يمارس الفرع إشرافاً مباشراً على جهاز الشرطة العسكرية ووحداته الملحقة بالفرق والتشكيلات، ويستخدم هذه الصلاحية في ضبط العسكريين الذين يُشتبه في ولائهم أو سلوكهم، بما في ذلك الاحتجاز والمعاقبة داخل مراكز تابعة له أو بالتنسيق مع فروع تحقيق أخرى أو مع سجن صيدنايا كوجهة نهائية.

على المستوى البيروقراطي، يعمل الفرع 294 كعقدة مركزية لتجميع وتوزيع المعلومات الأمنية بين القيادة المركزية للشعبة والفروع الإقليمية. فهو يصدر نشرات أمنية دورية إلى فروع المخابرات العسكرية في المحافظات، ويتلقى منها تقارير يومية عن أوضاع الوحدات العسكرية ونشاطها، ثم يعيد صياغة هذه المعطيات في شكل تقديرات موقف ورسائل توجيهية لقيادة الشعبة. وأظهرت وثائق أن بعض المعلومات النهائية القادمة من عمليات المراقبة التي كانت تتم من قبل بعض الفروع كانت تُحال إلى الفرع 294 للمراجعة المركزية(32)، وهذا ما يدل على تداخل عمل الأفرع الأمنية حتى ضمن الجهاز الواحد.

الفرع 283، فرع الملحقين

يُعدّ الفرع 283 فرع الملحقين في شعبة المخابرات العسكرية، ويقع ضمن العاصمة دمشق وهو الفرع المسؤول عن إدارة ملف العلاقات العسكرية الخارجية. وتركز اختصاصه على متابعة السفارات والبعثات الأجنبية داخل سوريا، وشؤون الأجانب المقيمين فيها، والتنسيق مع الملحقين العسكريين السوريين في الخارج.

يمثل الفرع 283 حلقة الوصل بين شعبة المخابرات العسكرية من جهة، وبين الملحقيات العسكرية السورية في عدد من الدول، وتولى رصد تحركات الدبلوماسيين والأجانب واتصالاتهم، ومتابعة ما يجري في محيط السفارات، إلى جانب مراقبة النشاط الإعلامي والسياسي المرتبط بالخارج(33).

وقام الفرع بجمع المعلومات ذات الصلة من خلال مراقبة وسائل الإعلام والمنظمات الأجنبية، وتغذية وزارة الخارجية والقيادة العسكرية بتقارير دورية، كما أظهرت وثائق مسربة أن الفرع 283 طور خلال سنوات الثورة السورية وحدة متخصصة لرصد الإعلام المعارض في الخارج(34).

ورغم طابع عمله الخارجي، لم يخلُ الفرع 283 من الانخراط في القمع الداخلي. وتورط في تعذيب وقتل مئات المعتقلين. وتشير روايات معتقلين سابقة وتقارير صادرة أن الفرع استهدف بشكل خاص السوريين العائدين من الخارج أو المتواصلين مع منظمات دولية أو وسائل إعلام معارضة، وأن أساليب التحقيق فيه لا تختلف عن باقي فروع المخابرات العسكرية من حيث الضرب المبرح، والصعق الكهربائي، والإهانات النفسية، وحرمان المحتجزين من المحامين وزيارات الأهل لفترات طويلة، بما يضع احتجازهم ضمن نمط الإخفاء القسري(35).

تكشف الملفات المسرّبة عن بنية عمل داخلية تجعل من الفرع 283 محوراً للتنسيق بين المخابرات العسكرية ووزارة الخارجية وبقية الفروع الأمنية في كل ما يتعلق بالملف الخارجي. فقد أظهرت وثائق نُشرت سابقاً وجود قنوات اتصال مباشرة بين الفرع 283 والفرع 227 فرع المنطقة ومفارز أمنية في السفارات السورية (مثل مفرزة سفارة بيروت)، لتبادل المعلومات وتمرير التقارير الحساسة عبر القنوات الدبلوماسية. وتشير هذه الوثائق إلى وجود وحدة متخصصة داخل الفرع لجمع ما يُنشر في الصحافة والإعلام عن سوريا، وتصنيفها وأرشفتها ورفعها بتقارير دورية، وصولاً إلى رصد تفاصيل شخصية عن الصحفيين والنشطاء، يُرجّح أن جزءاً منها يُترجم إلى لغات أجنبية داخل الفرع نفسه. بهذه البنية، يعمل الفرع 283 كعين النظام على العالم الخارجي وامتداده الأمني داخله في آنٍ معاً، متجاوزاً الحدود الفاصلة بين العمل الاستخباري الخارجي والقمع الداخلي(36).

الفرع 236، الفرع الخارجي

يقع مقره الرئيس على أطراف حيّ القابون في دمشق، بجوار قيادة القوات الخاصة والأكاديمية العسكرية العليا، وهو فرع مركزي تركزت مهامه الأساسية في العمل الأمني خارج سوريا وفي متابعة ملفات تتجاوز الإطار الاعتيادي لمراقبة الجيش داخل البلاد، ما يضعه في موقع أقرب إلى “الاستخبارات الخارجية” ضمن بنية المخابرات العسكرية نفسها.

قام الفرع 236 بتنفيذ دور محوري في تدريب كوادر الاستخبارات العسكرية، وخصوصاً ضباط أمن تشكيلات القوات المسلحة. فالمبنى يتألف من طابق أرضي وطابقين علويين؛ يُخصَّص الأول لقاعات التدريب، نُفذ فيه دورات لضباط وعناصر الأمن العسكري، بما في ذلك دورات إعداد ضباط أمن الوحدات القتالية، قبل أن يُنقل جانب من هذه المهام لاحقاً إلى “المعهد الوطني للعلوم الأمنية”. أما الطابق الثاني فيضم مكاتب الضباط والأرشيف والذاتية(37).

كما قام الفرع 236 بمتابعة ومراقبة اللاجئين والنشطاء والمعارضين السوريين المقيمين خارج البلاد، وجمع المعلومات عن نشاطهم السياسي والاجتماعي، من خلال الشبكات المرتبطة بالسفارات والقنصليات السورية. يندرج هذا الدور ضمن منظومة أوسع من الرقابة عبر الحدود التي تستخدمها الأجهزة الأمنية لملاحقة المعارضين في المنفى والضغط عليهم أو على عائلاتهم داخل سوريا(38).

عملياً، شكل الفرع 236 كحلقة وصل تقنية استخباراتية بين قيادة شعبة المخابرات العسكرية وبقية الفروع المختصة، من خلال تلقي وتحليل المعلومات المتعلقة بالنشاط المعارض في الخارج، ورفع تقارير دورية إلى المستوى القيادي حول الأشخاص والشبكات المستهدَفة. يشمل ذلك الاعتماد على البعثات الدبلوماسية، وشبكات المخبرين، وأدوات المراقبة التقنية، في عملية جمع المعلومات عن المعارضين واللاجئين، بما يخدم قرارات المنع الأمني، أو ابتزاز الأقارب في الداخل، أو تحريك ملفات قضائية أمنية ضد الأشخاص المطلوبين(39).

الفرع 237، فرع الاتصالات

يندرج الفرع ضمن الفروع المركزية للجهاز، ويسمى فرع الاتصالات أو فرع اللاسلكي واختص بكل ما يتصل بالاتصالات اللاسلكية والراديوية داخل الشعبة(40)، من حيث الرصد والفحص الفني واعتراض الاتصالات. ومهمته الرئيسية هي مسح موجات الراديو وتتبع المكالمات اللاسلكية والتنصت عليها أو التشويش عليها أو التداخل معها(41)، كما أنه يملك راشدات إلكترونية تستخدم في عمليات الرصد والتتبع(42).

صدرت عدة تقارير سابقة تتحدث حول عملية دمج الفرع 237 عدة أفرع أمنية تقنية مع بعضها البعض بإشراف روسي(43)، إلا أن هذا الدمج لم يتم، وبقي الفرع 237 فرعاً قائماً بذاته ضمن الهيكل الرسمي لشعبة المخابرات العسكرية. وبقيت الشعبة تتعامل معه كفرع مستقلّ بذاته تابع لها، وذكر في الوثائق الخاصة بها إلى جانب الفروع المركزية الأخرى مثل 211 و225 و294، لا كقسم داخلي ذائب في إدارة أخرى(44).

الفرع 217، الشؤون الإدارية

يندرج الفرع ضمن الفروع المركزية للجهاز، وهو فرع الشؤون الإدارية في الشعبة(45)، ويشار بشكل خاطئ بأن الفرع 217، هو فرع السويداء، في حين أن فرع السويداء هو الفرع 265 وتبع له قسم درعا. يقع الفرع 217 في دمشق داخل المربّع الأمني في كفرسوسة.

وظيفياً، يبدو الفرع 217 مسؤولاً عن الشؤون الإدارية في الشعبة، وذكرت وثيقة مسربة بأن “توزيع الطعام على الموقوفين حسب برنامج الطعام اليومي الصادر عن إدارة التعيينات ع/ط الفرع 217″، ولكن دور الفرع 217 يتجاوز الجانب الإداري البحت، إذ أن الفرع تحول إلى منصة لإدارة عقود المقاتلين ضمن الميليشيات التابعة للمخابرات العسكرية، ومنها لواء القدس وفوج مغاوير البادية وميليشيا قوات الفجر في السويداء(46).

وامتد نشاط الفرع 217 ليقوم بتجنيد عدد كبير من الشبان السوريين وبالأخص من المدنيين وعناصر من مناطق التسويات بالإضافة للمتخلفين عن الخدمة الإلزامية، بعقود نصف سنوية، لصالح القوات الروسية العاملة في سوريا(47).

الفرع 277، الديوان

يقع الفرع 277 في مدينة دمشق، وهو فرع مركزي ليس ذائع الصيت، وهو فرع الديوان، ويطلق عليه أيضاً اسم فرع الأمانات، ويعرف أيضاً بأنه مستودعات الـ 248، للدلالة على فرع التحقيق 248(48). وتسند إليه مجموعة من الوظائف المتعلقة بأعمال الديوان وإدارة شؤون العاملين والذاتية، كما قام بمراقبة الأداء داخل الجهاز منعاً لأي ثغرة ضمنه ويلعب تقييمه دوراً مساعداً في ترقية أو إبعاد أو نقل العاملين ضمن الجهاز. كما يملك الفرع ذاتيات جميع ضباط وعناصر المخابرات العسكرية، من بيانات خدمة وتقارير أداء وتقويم أمني(49)

إحدى المهام البارزة التي ارتبطت بالفرع 277 هي الإشراف على آلية “الحجز الاحتياطي” على ممتلكات المعارضين لنظام الأسد، وسبق أن نفذ الفرع حملات أمنية ممنهجة في عدد من مناطق جنوب دمشق والغوطة الشرقية، استهدفت ممتلكات معارضين أو أشخاص صدر بحقهم حجز على الأموال على خلفية مواقفهم السياسية، سواء كانوا داخل مناطق سيطرة النظام أو خارج البلاد(50).

كما مارس الفرع 277، كغيره من أفرع شعبة المخابرات العسكرية، مهام الاعتقال والتحقيق وإدارة مراكز احتجاز تابعة له وممارسة التعذيب داخلها بما فيها ممارسات ضد الأطفال(51).

الوحدة 259، مدرسة ميسلون

تُعرَّف الوحدة 259 في الجداول البنيوية لشعبة المخابرات العسكرية بأنها مدرسة المخابرات الحربية أو مدرسة ميسلون(52)، وتقع في منطقة ميسلون/الديماس غرب دمشق، قرب طريق دمشق–بيروت، ضمن حرم عسكري مغلق يَخضع مباشرة لشعبة المخابرات العسكرية.

تندرج المهمة الأساسية للوحدة 259 على تدريب وتأهيل كوادر شعبة المخابرات العسكرية؛ إذ عملت على استقبال المجنّدين الجدد الملحقين بالأمن العسكري في دورات الأغرار، إضافة إلى الدورات التخصصية لضباط وصفّ ضباط الاستخبارات، في مجالات الاستطلاع، والأمن الميداني، وأساليب الاستجواب والتشغيل المخابراتي، كما عملت أيضاً على تأهيل عناصر وحدات مكافحة الإرهاب والمهام الخاصة وحماية الشخصيات الرسمية، بما يجعلها مركز إنتاج الكوادر الخاصة التي تعتمد عليها الشعبة في العمليات الحساسة.

مع اندلاع الثورة السورية، تحوّلت مدرسة ميسلون من مركز تدريب صرف إلى مرفق مزدوج: مدرسة وسجن سري استُخدم لاحتجاز معتقلين سوريين وفلسطينيين وغيرهم، أسوة ببقية الأفرع الأمنية التابعة لشعبة المخابرات العسكرية(53).

أفرع ووحدات مركزية أخرى

يوجد أيضاً في الشعبة فرع الشؤون الفنية وفرع التوجيه السياسي وكذلك مركز طبي يتبع لرئاسة شعبة المخابرات العسكرية، بالإضافة لمكاتب أخرى تتبع للشعبة بشكل مباشر(54).

في المحصلة، لم تكن الفروع المركزية لشعبة المخابرات العسكرية مجرد وحدات إدارية أو تقنية داخل جهاز الدولة فقط، بل شكّلت البنية الصلبة التي نُسِّق عبرها قهر السوريين وتحويلهم من مواطنين إلى مجرد “ملفات أمنية”. فمن خلال ما راكمته من صلاحيات في الرصد والمتابعة والاعتقال والتحقيق والقتل تحت التعذيب أو الإهمال الطبي والإحالة، تحوّلت هذه الفروع إلى غرف قيادة مظلمة لإنتاج قرارات التوقيف الجماعي، وصياغة الاتهامات، وتحديد مسارات الإحالة نحو المنظومة القضائية العسكرية والاستثنائية، بما في ذلك السجون العسكرية.

وبهذا، كانت الفروع المركزية للشعبة هي العقدة التي تتقاطع عندها المعلومات الواردة من القاعدة، ليُعاد تصنيف الأفراد والمناطق، وإعادة توجيههم ضمن مسارات قسرية تنتهي غالباً إلى الأقبية وأروقة المحاكم العسكرية ثم صيدنايا والمقابر الجماعية والتي قد يسبق الوصول إليها أي إجراءات أخرى بعد الاعتقال(55).

بعد استعراض الفروع المركزية لشعبة المخابرات العسكرية في دمشق ودورها في التخطيط والتنسيق وإدارة الملفات الكبرى على مستوى الدولة، يبرز المستوى الثاني من البنية التنظيمية للشعبة والتي تتمثل في الفروع الإقليمية المنتشرة في المحافظات.

ثانياً: الفروع الإقليمية

تمثّل الفروع الإقليمية الامتداد التنفيذي المباشر للشعبة داخل الجغرافيا السورية، إذ تتوزع الفروع الإقليمية للشعبة على 12 فرعاً موزعة على عدد من المحافظات السورية وتملك صلاحيات التحقيق والاعتقال والمراقبة على مستوى المحافظات، كما وتتفرع لمفارز في وحدات إدارية أخرى، مع وجود ضباط أو صف ضباط أمن عسكري يتابعون القرى والبلدات والمؤسسات بشكل مباشر، بما يضمن حضوراً أمنياً لصيقاً في النسيج الاجتماعي والسياسي في كل مكان تقريباً.

وبذلك تنتقل صلاحيات الجهاز من المستوى المركزي إلى مستوى المحافظات عبر شبكة متشعبة من المكاتب والحواجز وضباط الارتباط، ما يحوّل الشعبة إلى منظومة رقابة متعددة المستويات كانت تعمل على ضبط الجيش والمجتمع في آنٍ معاً.

الفرع 227، المنطقة دمشق وريفها

يُعدّ الفرع 227 أحد الفروع الإقليمية الرئيسة لشعبة المخابرات العسكرية، ويُعرف باسم فرع المنطقة وهو المسؤول عن محافظة دمشق وريفها. وتولى الفرع 227 إدارة العمل الأمني العسكري في دمشق برفقة الأفرع الأخرى حيث يسمح وجوده بدمشق بتداخل عمله مع الفروع المركزية للشعبة بكثرة(56).

ويعمل على جمع المعلومات عن الأوضاع الأمنية والسياسية والاجتماعية، ومراقبة النشاط المعارض بشقيه المدني والعسكري، وإدارة شبكة واسعة من المخبرين المحليين، إلى جانب قيادة حملات المداهمة والاعتقال بالتنسيق مع فروع أخرى في الشعبة ومع بقية الأجهزة الأمنية.

ولا يقتصر دوره على المتابعة الميدانية؛ إذ يُعتبر أيضاً مركز احتجاز وتحقيق، تُجرى فيه الاستجوابات الأمنية وتُدار منه ملفات عدد كبير من المعتقلين، بالإضافة لسطوة واضحة في سجن صيدنايا العسكري، كما ارتبط اسمه بدور مباشر في عدد كبير من الجرائم والانتهاكات البارزة التي شهدتها سوريا(57).

يملك فرع المنطقة هيكلية عامة يمكن تعميمها على كافة الفروع الإقليمية في المحافظات، حيث يوجد على رأس الفرع ضابط برتبة عميد، ولديه معاون برتبة عميد أيضاً، يتبع لرئاسة الفرع عدة مكاتب وأقسام أخرى منها: قسم المعلومات – قسم التحقيق والسجن – قسم مكافحة الإرهاب – قسم الأمن العسكري، قسم مكافحة التجسس، قسم الديوان، بالإضافة لأقسام تخصصية أخرى، وأقسام جغرافية موزعة على بعض الوحدات الإدارية(58).

الفرع 265، فرع السويداء

يُعدّ الفرع 265 أحد الفروع الإقليمية الرئيسة لشعبة المخابرات العسكرية في الجنوب السوري ومقره مدينة السويداء ويتبع له قسم درعا، ويشرف على العمل الأمني العسكري في محافظتي السويداء ودرعا معاً. ويتبع له أقسام ومحطات فرعية مثل محطة ازرع وقسم الصنمين، وتولى تنسيق عملها وربطها مباشرة بقيادة الشعبة في دمشق بوصفه الفرع المسؤول عن المنطقة الجنوبية(59).

على مستوى المهام، اضطلع الفرع 265 بإدارة الملف الأمني في المحافظتين عبر جمع المعلومات عن الحراك السياسي والاجتماعي، وإصدار البلاغات البحثية بحق المطلوبين، وقيادة حملات الاعتقال والمداهمة، إلى جانب تنظيم ملف التسويات الأمنية مع المعارضين السابقين ومسلّحي الفصائل المحلية. وقد ارتبط اسمه بشكل خاص بالإشراف على تشكيلات مسلّحة موالية في الجنوب، وبالتحكم بشبكات الوسطاء المحليين في عمليات التسوية أو الابتزاز المالي للمطلوبين، سواء في درعا أو السويداء، من خلال مطالبتهم بدفع مبالغ مالية مقابل شطب أسمائهم من القوائم الأمنية أو تخفيف المتابعة بحقهم(60).

إضافة إلى ذلك، يُعتبر الفرع 265 جزءاً من شبكة الاحتجاز التابعة لشعبة المخابرات العسكرية، وهو من أهم مراكز الاعتقال التي يُنقل إليها موقوفون من الجنوب، أو تُدار من خلالها مراكز احتجاز أخرى. ويُدرج الفرع في قوائم الجهات المتورطة في الاعتقال التعسفي والتعذيب وسوء المعاملة(61).

الفرع 220، فرع سعسع

يعرف الفرع 220 بأنه فرع مخابرات الجبهة في شعبة المخابرات العسكرية، ويُعرف أيضاً باسم فرع سعسع أو فرع مخابرات القنيطرة. اتخذ الفرع من منطقة سعسع في ريف دمشق الغربي مركزاً رئيساً له، مع نطاق عمل يمتد على جبهة القنيطرة والجولان المحتل ومناطق ريف دمشق الغربي (كناكر، بيت جن، جبل الشيخ ومحيطها)، وله مفارز ومكاتب في مناطق مثل خان الشيح ومحيط مخيمه، وفي نقاط تماس مع قوات الجبهة والقوات الدولية العاملة في فصل القوات. يختص الفرع، وفق توصيفات حقوقية وبحثية سورية ودولية، بالملف الاستخباراتي المتعلق بقوات الجبهة المنتشرة على خطوط وقف إطلاق النار، وبمتابعة النشاط العسكري والمدني في تلك المنطقة ذات الحساسية الخاصة(62).

تولى الفرع 220 جمع وتحليل المعلومات عن تحركات وحدات الجيش المنتشرة على منطقة الجبهة، ومراقبة الفصائل المحلية والميليشيات الحليفة، إضافة إلى متابعة السكان في القرى والبلدات الحدودية من حيث الولاءات والاتصالات العابرة للحدود، وقيادة عمليات التسوية الأمنية وإدارة الوسطاء المحليين في المنطقة. يُظهِر نمط عمله أنه يجمع بين دور فرع إقليمي (مراقبة المجتمع المحلي، تشغيل شبكة مخبرين، إدارة حملات مداهمة واعتقال. ودور فرع جبهة يتعامل مع القوات المنتشرة على خطوط التماس ومع القوات الدولية، مع امتلاكه بنية احتجاز وتحقيق كمرفق اعتقال تابع لشعبة المخابرات العسكرية(63).

الفرع 261، فرع حمص

يُعدّ الفرع 261 فرع حمص الإقليمي لشعبة المخابرات العسكرية، والمسؤول عن ملف الأمن العسكري على مستوى محافظة حمص، بما يشمل متابعة الوحدات العسكرية المنتشرة في المحافظة، والتقاطعات بين الفضاءين العسكري والمدني داخلها. يتمركز المقر الرئيس للفرع في حي المحطّة بمدينة حمص مقابل محطة القطار، ويتكوّن من مبانٍ متعددة تُستخدم كمكاتب عمل أمني وأخرى كمراكز احتجاز وتحقيق(64).

تولى الفرع 261 إدارة شبكة الأمن العسكري في محافظة حمص عبر الإشراف على ضباط وعناصر الأمن المنتدَبين إلى التشكيلات العسكرية في المنطقة، ومتابعة تحرّكاتها ودرجة ولائها، إلى جانب إدارة شبكة من الأقسام والمفارز على مستوى المدن والبلدات وفق الهيكلية الهرمية المعتمدة في شعبة المخابرات العسكرية (جهاز–فرع–قسم–مفرزة). قام الفرع بتجميع المعلومات الاستخباراتية عن الأحياء والقرى التي شهدت احتجاجات أو نشاطاً معارضاً، وتنظيم حملات المداهمة والاعتقال بالتنسيق مع الأجهزة الأخرى، ثم استجواب المعتقلين ونقل جزء منهم إلى فروع مركزية أو إلى السجون العسكرية(65).

الفرع 219، فرع حماه

يُعدّ الفرع 219 للأمن العسكري في حماة الفرع الإقليمي لشعبة المخابرات العسكرية على مستوى محافظة حماة. تولّى الإشراف على مجمل منظومة الأمن العسكري في المدينة وريفها. يتكفّل الفرع بمتابعة الوضع الأمني والعسكري داخل المحافظة، وجمع المعلومات عن النشاط السياسي والمدني، ومراقبة المجنّدين والعسكريين والمنشقّين والمطلوبين للأجهزة الأمنية، إضافة إلى التنسيق مع المفارز المنتشرة في المدن والبلدات والنقاط العسكرية ضمن نطاق حماة الجغرافي(66).

اضطلع الفرع 219 بدور محوري في إدارة القبضة الأمنية للنظام في حماة، خاصة بعد عام 2011، وشهد الفرع حالات تعذيب ومعاملة لا إنسانية بحق معتقلين مدنيين وعسكريين قبل نقلهم إلى فروع مركزية أو إلى السجون العسكرية. يذكر أن الفرع أسس وسلح ميليشيات محلّية موالية في حماة، مثل مجموعات مدعومة من الفرع عُرفت باسم “صقور الأسد”، ما جعله عقدة أساسية في شبكة العنف الرسمي وشبه الرسمي للنظام داخل المحافظة.

الفرع 223، فرع اللاذقية

يُعدّ الفرع 223 أحد الفروع الإقليمية لشعبة المخابرات العسكرية، ويُشار إليه باسم فرع الأمن العسكري في اللاذقية. يتمركز مقره في محافظة اللاذقية وتولى الملفّ الأمني العسكري في الساحل ومحيطه، بما يشمل مراقبة التشكيلات العسكرية المنتشرة في المنطقة، وضبط النشاط السياسي والاجتماعي فيها، وتشغيل شبكة من المخبرين المحليين وربطها مباشرة بفروع الشعبة في دمشق. وأسوة ببقية الفروع استخدم الفرع كمرفق اعتقال وتحقيق، وجرى توثيق حالات تعذيب وسوء معاملة وظروف احتجاز غير إنسانية فيه(67).

إلى جانب دوره كفرع إقليمي، مثّل الفرع 223 واجهة تنظيمية لشبكة من الميليشيات الموالية، وعلى رأسها قوات درع الأمن العسكري التي أُسست مطلع عام 2016 كوحدة شبه عسكرية مستقلة تابعة مباشرة للفرع في اللاذقية، في محاولة لتعزيز نفوذه وتعويض النقص في القوى البشرية لدى النظام. هذه القوات شاركت في معارك الساحل وحمص وتدمر. كما ارتبط الفرع بدور محوري في تسليح اللجان الشعبية وتنظيمها في الساحل(68).

الفرع 256، فرع طرطوس

وهو الفرع الإقليمي لشعبة المخابرات العسكرية في محافظة طرطوس، والمسؤول عن إدارة الملف الأمني العسكري في المدينة وريفها الساحلي تتبع له مفارز وأقسام ميدانية على مستوى الوحدات الإدارية في المحافظة. ووفق النمط المعتمد في فروع المحافظات الأخرى، تولى الفرع 256 جمع المعلومات عن النشاط السياسي والاجتماعي في طرطوس وريفها، ومراقبة ولاءات التشكيلات العسكرية المنتشرة في المنطقة، وتشغيل شبكة من المخبرين داخل المؤسسات الرسمية والقطاعات المدنية(69).

إلى جانب تنظيم البلاغات الأمنية ومذكرات التوقيف بحق المطلوبين، والتنسيق مع بقية فروع الشعبة والأجهزة الأمنية في حملات المداهمة والاعتقال ونقل الموقوفين. حيث قام الفرع 256 بدور مركز احتجاز وتحقيق رئيسي في الساحل السوري، يُنقل إليه معتقلون مدنيون وعسكريون من المنطقة، قبل إحالة جزء منهم إلى فروع مركزية، ما يجعله حلقة أساسية في سلسلة الاعتقال والقمع على مستوى الساحل(70).

الفرع 271، فرع إدلب

تولى هذا الفرع إدارة الملف الأمني العسكري على مستوى محافظة إدلب وله مفارز على مستوى المناطق والنواحي، عبر متابعة أوضاع الوحدات العسكرية المنتشرة في المنطقة، ومراقبة النشاط السياسي والاجتماعي والمدني، وتشغيل شبكة من المخبرين المحليين في المدن والبلدات والقرى، تورط الفرع بشكل مباشر في قمع المتظاهرين في إدلب وارتكاب انتهاكات وجرائم ضد الإنسانية(71).

على مستوى البنية والوظائف، عمل الفرع 271 كحلقة مكتملة تجمع بين جمع المعلومات، وقيادة العمليات الميدانية، وإدارة الاعتقال والتحقيق. وتضمن الفرع مرفق احتجاز استخدم لاعتقال واستجواب الموقوفين قبل تحويلهم إلى فروع مركزية. ساهم سقوط الفرع أثناء تحرير مدينة إدلب من قبضة النظام السابق، في فهم آلية عمل هذه الفروع وطريقة عملها. وكان نظام الأسد قد أعاد افتتاح الفرع في مدينة خان شيخون في الفترة التي أعاد فيها النظام السيطرة على المنطقة(72).

الفرع 290، فرع حلب

تولى الفرع 290 المسؤولية عن ملف الأمن العسكري على مستوى مدينة حلب وريفها، بما في ذلك متابعة الوحدات العسكرية المنتشرة في المنطقة، وضبط التداخل بين المجالين العسكري المدني داخل المحافظة. إلى جانب المقر الرئيس، كان للفرع عدد كبير من المفارز في المدينة وريفها الواسع، وشارك في إدارة الحواجز المشتركة مع أجهزة أمنية أخرى(73).

ولسنوات طوال كان الفرع جزءاً من البنية المسؤولة عن القمع والانتهاكات، واستخدم أيضاً كمرفق اعتقال رئيسي للأمن العسكري، مع توثيق عشرات الحالات التي تعرّض فيها معتقلون للقتل والتعذيب والمعاملة اللاإنسانية. بهذه الوظيفة المزدوجة – قيادة أمنية إقليمية ومركز احتجاز وتحقيق – شكّل الفرع 290 إحدى أهم أدوات شعبة المخابرات العسكرية في السيطرة على حلب وإدارة منظومة الاعتقال والقمع فيها(74).

الفرع 243، فرع دير الزور

وهو فرع محافظة دير الزور، وتولى الإشراف على الملفّ الأمني في كل من محافظتي دير الزور والرقة، مع إمكانية تبعيّة أقسام ومفارز له على مستوى المدن والبلدات وعلى رأسها قسم موجود في مدينة الرقة باعتبار أن محافظة الرقة لا يوجد بها فرع أمن عسكري. وتولى جمع المعلومات عن النشاط السياسي والعسكري والمعارض، وتشغيل شبكة واسعة من المخبرين(75).

أيضاً بالإضافة للمهام الأمنية المرتبطة بالقطاع المدني قام الفرع بمراقبة الوحدات العسكرية وولاء العسكريين داخلها، بالإضافة لمراقبة الحدود العراقية. استخدم مقرّ الفرع 243 كمركز اعتقال وتحقيق أسوة ببقية الفروع الأمنية التابعة لشعبة المخابرات العسكرية، وذلك قبل إرسال المعتقلين إلى الفروع المركزية بحسب الحاجة(76).

الفرع 222، فرع الحسكة

تولى الفرع 222 والمعروف باسم فرع الأمن العسكري في الحسكة إدارة الملف الأمني والعسكري في المحافظة بأكملها، مع تركّز مقرّه في مدينة القامشلي ووجود قسم في مدينة الحسكة ضمن المربع الأمني، استخدم مبنى الفرع كمرفق اعتقال وتحقيق تابع لشعبة المخابرات العسكرية، وثّقت فيه حالات تعذيب وسوء معاملة وظروف احتجاز لاإنسانية(77). شمل نطاق عمل الفرع مراقبة الوحدات العسكرية المنتشرة في الحسكة، ومتابعة النشاط السياسي والأمني والمدني، خصوصاً في بيئة شديدة التعقيد تتداخل فيها القوات الحكومية مع قوات سوريا الديمقراطية وقوى أخرى محلية.

على مستوى المهام التفصيلية والهيكل، عمل الفرع 222 كحلقة وصل بين قيادة الشعبة والفروع المركزية وبين الشبكة المحلية من الأقسام والمفارز المنتشرة في مدن وبلدات المحافظة؛ إذ يشرف على تشغيل المخبرين، وجمع التقارير اليومية حول النشاط المعارض والحراك الاجتماعي، وإدارة التنسيق الأمني مع القوى المسيطرة ميدانياً.

الفرع 221، فرع البادية

الفرع 221 وهو يعرف أيضاً باسم فرع البادية وأيضاً فرع تدمر، ومقرّه في مدينة تدمر ومحيط المدينة في البادية السورية في ريف حمص الشرقي. على أنّ هذا الفرع مكلّف بأمن البادية والمنطقة المحيطة بتدمر، ويغطي طرق الإمداد الصحراوية ومحاور الربط بين وسط سوريا وشرقها، مع شبكة من المفارز والنقاط المنتشرة على الطرق الرئيسية وفي بعض البلدات الصحراوية(78).

وتتمحور مهام الفرع 221 حول المراقبة الأمنية والعسكرية للبادية ومحيط تدمر: جمع المعلومات عن تحركات الوحدات العسكرية والميليشيات الحليفة والمعارضة، ضبط الطرق الصحراوية وخطوط الإمداد، والمشاركة في العمليات الأمنية ضد المدنيين والمجتمعات المحلية في المنطقة.

استخدم الفرع كمركز احتجاز وتحقيق ضمن شبكة مرافق الاعتقال المرتبطة بالأمن العسكري، كما أُشير إلى دوره في التنسيق مع تشكيلات الجيش في محيط منطقة الـ 55 كم شرق حمص ضمن سياسة حصار وتجويع لمخيّم الركبان وسكان البادية، وفي تنفيذ حملات اعتقال بحق مدنيين في تدمر ومحيطها.

إن البحث في الفروع الإقليمية لشعبة المخابرات العسكرية يؤكد بأنها ليست مجرد أذرع محلية نفذت تعليمات المقرّ المركزي، بل حلقات متكاملة تمتلك قدرة مستقلة نسبياً على الرصد والتقييم واتخاذ القرار الأولي بالاعتقال والتحقيق والإحالة. فمن خلال انتشارها على مستوى المحافظات، وشبكات المخبرين والأقسام والمفارز والحواجز التابعة لها، تحوّلت هذه الفروع إلى واجهات يومية لسلطة الشعبة في المجتمع، تحدّد من هو “المطلوب” أمنياً، وتدير عملياً مسارات التوقيف الأولى، وتتحكّم في مصائر الأفراد والمجتمعات المحلية ضمن فضاءات جغرافية واسعة.

كما شكّلت هذه الفروع القاعدة التنفيذية لمنظومة القمع التي أعادت إنتاج المركز في الأطراف، وربطت بين المراقبة الميدانية على مستوى الحيّ والقرية، وبين منظومة السجون والمحاكم العسكرية والاستثنائية في دمشق وغيرها. فهي التي بدأت منها غالباً رحلة المعتقل، من استدعاء أو مداهمة أو حاجز، مروراً بالتحقيق والاحتجاز الأولي، وصولاً إلى الإحالة نحو الأفرع المركزية ثم السجون العسكرية.

من خلال هذا التماس المباشر مع المجتمع، لعبت هذه الفروع دوراً حاسماً في ترسيخ منطق “الدولة الأمنية” وفي تعقيد أي مسار العدالة الانتقالية وإصلاح القطاع الأمني نتيجة التشعب والجرائم التي خلفته وراءها على مدار عقود من الزمن.

الشكل (4): هيكلية شعبة المخابرات العسكرية

ثالثاً: أدوات القمع المستخدمة ضد المجتمع

اعتمد نظام الأسد على حزمة واسعة من أدوات القمع لإحكام قبضته الأمنية خلال سنوات حكمه عموماً وخلال سنوات الثورة خصوصاً، وكافة الممارسات التي كانت تمارس على حالات معينة سابقاً تمت ممارستها على نطاق واسع ومنهجي خلال سنوات الثورة(79).

شملت هذه الأدوات أساليب متعددة، بدءاً من المراقبة الشاملة لكل مفاصل المجتمع، مروراً بحملات الاعتقال التعسفي المستندة إلى القوائم السوداء للمطلوبين، والاعتقالات الوقائية الهادفة لمنع أي حراك احتجاجي قبل وقوعه، وصولا إلى الاعتقال العشوائي وإلى الاحتجاز في ظروف قاسية أدّت في حالات عديدة إلى قتل المعتقلين تحت التعذيب أو نتيجة الإهمال الطبي أو الإعدام من خلال المحاكم العسكرية.

كما تتضمن هذه المنظومة القمعية ممارسة التعذيب بشكل منهجي وإخفاء آثاره في السجلات الرسمية، واستغلال المخبرين لبثّ الفرقة وإثارة الشكوك داخل المجتمع، فضلاً عن نقل المعتقلين بين الفروع الأمنية بصورة متكررة للتعمية على ما يُرتكب بحقهم من انتهاكات.

المراقبة الشاملة

أظهرت الوثائق الأمنية المسرّبة أن أجهزة المخابرات السورية اتبعت نهجا شاملاً في مراقبة المجتمع، بحيث لم يعد أي جانب من الحياة اليومية بمنأى عن أعين شعبة المخابرات العسكرية. وتضمنت الكثير من الوثائق معلومات تتعلق بعمليات مراقبة ورصد، مما يعكس حجم الاختراق الأمني لكل تفصيل يومي.

شملت هذه العمليات التنصت على المكالمات الهاتفية ومتابعة تحركات الأفراد وأنشطتهم، حتى لو كانت لا تشكل تهديداً أمنياً مباشراً. ولم تقتصر الرقابة على المواطنين العاديين فحسب، بل امتدت لتشمل أيضاً مراقبة عسكريي الجيش ومسؤولي الدولة أنفسهم؛ حيث كشفت عدة صفحات عن قيام فروع أمنية بالتجسس على مسؤولين في أجهزة أخرى وتبادل تسجيلات لمكالماتهم الداخلية. ويُظهر هذا التنصّت المتبادل بين أجهزة الأمن درجة عالية من الشك وانعدام الثقة حتى داخل منظومة السلطة نفسها(80).

اعتمدت استراتيجية المراقبة الشاملة على وسائل متعددة أبرزها التنصت الهاتفي وشبكة المخبرين المنتشرين في المجتمع. ورغم الطبيعة الواسعة لهذه الإجراءات، لم تُشر الوثائق إلى وجود أمر قضائي أو إجراءات قانونية تُجيز هذا الكم الهائل من التنصّت والتجسس، مما يدل على أن أجهزة الأمن تصرّفت بمعزل عن أي رقابة قضائية وفي ظل غياب سيادة القانون.

واضطلعت شعبة المخابرات العسكرية بدور مركزي يفوق غيرها في عمليات التجسس والرصد، بما يتفق مع الانطباعات السائدة عن هيمنة هذا الجهاز على مفاصل الأمن السوري. واتسمت المراقبة الأمنية في سوريا بالشمولية والتوغّل في كافة المجالات الخاصة والعامة، وشكلت ركيزة أساسية في منظومة القمع لضمان كشف أي بوادر معارضة وإحباطها في مهدها.

الاعتقال التعسفي وقوائم المطلوبين

توثّق سجلات شعبة المخابرات العسكرية نهجاً ممنهجاً في الاعتقالات التعسفية، مدعوماً بوجود قوائم واسعة للمطلوبين. فقد تضمّنت عينة الوثائق التي تم تحليلها تضم 576 صفحة تحتوي على إشارات إلى معتقلين أو أشخاص مطلوب اعتقالهم، ما يشكّل حوالي 11% من إجمالي الصفحات. يعكس هذا الرقم حملة اعتقالات جماعية استخدمها النظام لقمع المعارضة منذ عام 2011(81). وتبين الوثائق أن هذه الاعتقالات طالت طيفاً واسعاً من الفئات؛ إذ لم تقتصر على الناشطين السياسيين والمتظاهرين والصحفيين المنتقدين الذين وصفتهم التقارير الأمنية بـ “الإعلام المعادي” فحسب، بل شملت أيضاً العسكريين المنشقّين والمشتبه بانتمائهم لجماعات مسلحة.

كما لعبت قوائم المطلوبين الموزعة على الحواجز العسكرية دوراً محورياً في تسهيل حملة الاعتقالات التعسفية. فقد كشفت وزارة الداخلية السورية الجديدة وجود ملايين المطلوبين للنظام البائد أزالت أسماءهم من قوائم منع السفر(82)، وكانت شعبة المخابرات العسكرية صاحبة أكبر عدد من مذكرات اعتقال(83). وبشكل رئيسي تضمنت قوائم المطلوبين أوامر مباشرة بتوقيف أفراد محددين، وأحياناً طلبات من الأفرع الأمنية للحصول على معلومات إضافية حول أشخاص مطلوبين.

تكشف الوثائق أيضاً أنماطاً لأساليب الاعتقال المتبعة. فغالبية الحالات الموثقة تتعلق بأشخاص تم احتجازهم بسبب تعبيرهم عن معارضة، كالمشاركة في احتجاجات أو حتى مجرد التلفظ بعبارات تنتقد الرئيس في جلسة خاصة. ولم يميّز النظام في تعامله القمعي بين مختلف أطياف المعارضة المدنية والمسلحة؛ فكثيراً ما وُضِع المتظاهرون السلميون والصحفيون المنتقدون في الخانة ذاتها مع أفراد الجماعات المتمردة أو الإرهابية المزعومة تحت تصنيف شامل هو “العناصر المحرّضة”، واستخدمت هذه التهمة الفضفاضة لتبرير اعتقال الجميع دون تفرقة. وتؤكد الوثائق أيضاً عدم تواني الأجهزة عن انتهاك القانون بشكل صارخ؛ إذ استمرت في تنفيذ الاعتقالات دون أي إجراءات قضائية سليمة حتى بعد إعلان نظام الأسد رفع حالة الطوارئ في نيسان/أبريل 2011، مما جعل رفع حالة الطوارئ إجراءً صورياً لم يحدّ من القبضة الأمنية عملياً(84).

أما دوافع الاعتقال وآلياته فتشير بوضوح إلى غياب أي مستند قانوني حقيقي، واعتمادها على الوشايات والشبهات أو الاعترافات المنتزعة تحت التعذيب. وكان اعتقال الأفراد كثيراً ما تم بناءً على بلاغات من مخبرين أو معارف أو حتى أفراد من عائلاتهم تزعم أن الشخص كانت لديه نية أو مشاركة في أنشطة مناوئة للنظام. كما تم اعتقال آخرين لورود أسمائهم في أمر من أحد الأفرع الأمنية أو على قائمة مطلوبين – ربما نتيجة ظهورهم في وسيلة إعلام معارضة أو بسبب رصدهم عبر المراقبة بتهمة التحضير لأعمال مناهضة. وبلغ الأمر أن اعتمدت بعض الفروع أسلوب احتجاز أقارب المطلوبين كرهائن للضغط على المطلوب الأساسي لتسليم نفسه، في ممارسة عقابية جماعية تنافي كل مبادئ العدالة. كذلك لم يتردد عناصر الأمن في القيام باعتقالات فورية لمجرد أن أحد الضباط أو العناصر شاهد مباشرةً تصرفاً اعتبره معادياً للنظام.

وما يؤكد تعسفية هذه الإجراءات أن الأجهزة نادراً ما كانت تتحقق من مصداقية المعلومات قبل تنفيذ الاعتقال؛ فلم يكن يجري أي تحقيق جدي للتثبت من صحة الاتهامات إلا بعد الزجّ بالمشتبه به في السجن. وإذا اتضح لاحقاً أن الشبهة كانت خاطئة أو الوشاية كيدية، فإن ذلك لم يؤدِ إلى إطلاق سراح المعتقل فوراً، بل كانت الأجهزة تقوم بإجراء بحث خلفي عن أي معلومات أخرى قد تربط المعتقل بنشاط معارض لتبرير إبقائه محتجزاً. هذا النهج في الاعتقال أولاً والتحقيق لاحقاً يرسّخ الطبيعة التعسفية والعقابية لعمل الأجهزة الأمنية(85).

الاعتقالات الوقائية لمنع الاحتجاج

استخدم الاعتقال الوقائي من قبل الأجهزة الأمنية كأداة لإجهاض أي حراك احتجاجي في مهده. فعوضاً عن انتظار خروج المظاهرات وقمعها بالقوة، لجأ النظام إلى توقيف الناشطين المحتملين مسبقاً للحيلولة دون وقوع الاحتجاج أساساً. وتظهر إحدى الوثائق الأمنية اليومية توقعاً بانخفاض عدد المتظاهرين في احتجاج كان مزمعاً تنظيمه، والسبب هو قيام السلطات باعتقال عدد كبير من أولئك الذين قد يشاركون فيه قبل موعده.

كما تضمنت وثائق أخرى معلومات صريحة عن احتجاز أشخاص بهدف ثنيهم عن المشاركة في أي مظاهرات مستقبلية، عبر زرع الخوف في نفوسهم من عواقب الاحتجاج. وهكذا لم تعد سياسة الاعتقال مقتصرة على معاقبة من يعبّر عن معارضته، بل تحولت إلى إجراء استباقي وقائي يقوض عملياً حق التجمع السلمي قبل أن يمارس على أرض الواقع. إن هذه الإستراتيجية الأمنية الاستباقية تؤكد تصميم النظام على حرمان الحراك الشعبي من كوادره الأساسية وشلّ قدرته التنظيمية عبر اعتقالات احترازية، في انتهاك واضح لحقوق التعبير والتجمع المكفولة دولياً(86).

الاحتجاز في ظروف تؤدي إلى فقدان الحياة

تكشف الوثائق المسرّبة وشهادات الناجين ومنتجات التوثيق الحقوقي عن نمط متكرّر لوفاة معتقلين داخل مراكز الاحتجاز السورية، في سياقات توحي بأن ظروف الاحتجاز نفسها من تعذيب وسوء معاملة وحرمان من الرعاية الطبية تشكل عاملاً مباشراً في فقدانهم للحياة. فغالباً ما تُسجَّل هذه الوفيات في السجلات الرسمية بصيَغ عامة مثل “توقّف قلبي مفاجئ” أو تُربط حصراً بالإصابات التي تعرّض لها الشخص عند لحظة الاعتقال أو خلال الاشتباك الأمني، في حين تشير المعطيات الخارجية – من آثار كدمات وجروح وخياطات جراحية ممتدة على الجثث – إلى تعرض الضحايا لمستويات من العنف لا يمكن تفسيرها بالادعاءات الرسمية وحدها. هذا التباين بين الروايات الأمنية والقرائن الجسدية الطبية يثير شكوكاً جدية حول مصداقية الأسباب المعلنة للوفاة، ويُلمح إلى استخدام الرواية الطبية–الأمنية كأداة لإخفاء ما تعرّض له المعتقلون خلال فترة احتجازهم(87).

ولا تقتصر الإشكالية على حالات فردية معزولة، بل تندرج ضمن نمط أوسع لانتهاك حق المعتقلين في الحياة في بيئات احتجاز مغلقة تفتقر إلى الحد الأدنى من الشفافية والرقابة. فقلّما تعترف الوثائق الحكومية صراحة بحدوث وفاة تحت التعذيب أو بسبب الحرمان من العلاج، بينما توثّق منظمات حقوقية دولية وسورية أعداداً كبيرة من الوفيات داخل السجون والفروع الأمنية، تُنسَب إلى التعذيب الممنهج، وسوء التغذية، والاكتظاظ، وغياب الرعاية الطبية الملائمة. في ظل هذا الغياب البنيوي للشفافية، يصبح تتبّع المسؤولية عن هذه الوفيات عملية معقّدة، لكن تراكم الشهادات والصور والوثائق المسرّبة يقدّم مؤشرات قوية على أن كثيراً من حالات الموت في الاحتجاز ليست حوادث عرضية، بل نتيجة مباشرة لسياسات ومعاملات تجعل من بيئة الاحتجاز ذاتها بيئةً مُفضية إلى فقدان الحياة(88).

التعذيب وإخفاؤه

تكشف مراجعة الوثائق الأمنية عن نمط ثابت من الصمت المتعمَّد حيال مسألة التعذيب، إذ تكاد تخلو المراسلات الرسمية من أي اعتراف مباشر باستخدامه، رغم وفرة شهادات المعتقلين السابقين وتقارير المنظمات الحقوقية التي تؤكد شيوعه وممارسته على نحوٍ ممنهج في مراكز الاحتجاز السورية. هذا الغياب ليس صدفة، بل يشي بسياسة متعمَّدة لإبعاد التعذيب عن السجل المكتوب، سواء خشية ترك أدلة يمكن أن تُستخدم لاحقاً في الملاحقة القانونية، أو حفاظاً على واجهة شكلية “منضبطة” لعمل الأجهزة، تُظهره وكأنه يجري ضمن إطار قانوني وإجرائي منظم(89).

مع ذلك، لا تخلو الوثائق من مؤشرات غير مباشرة على حضور التعذيب في خلفية المشهد. فبعض الصفحات تتضمن مثلاً إفادات مكتوبة بخط يد المعتقلين يؤكدون فيها – بشكل متكلّف ولافت – أنهم لم يتعرضوا للضرب أو سوء المعاملة، وهي صياغات تبدو أقرب إلى نصوص إملائية الغرض منها نفي التهمة سلفاً أكثر من توثيق واقع المعاملة. كما تتكرر في المذكرات الأمنية عبارات فضفاضة مثل “اتخاذ الإجراءات اللازمة” أو “معالجة وضع المذكور” من دون تحديد لطبيعة هذه الإجراءات، بما يفتح الباب لتأويلها كغطاء لغوي لإجراءات غير قانونية قد تشمل التعذيب أو التصفية، مع الإبقاء على هامش واسع للإنكار. وبهذا المعنى، يصبح الصمت والتورية في سجلات الأجهزة جزءاً من بنية الجريمة نفسها: فالتعذيب ممارسة حاضرة ومركزية في عمل الجهاز، لكنها تُقصى عمداً عن الورق، الأمر الذي ساهم في توفير حماية إضافية لمرتكبيه ضمن حلقات القمع المغلقة(90).

استخدام المخبرين لتفجير الخصومات داخل المجتمع

تكشف الوثائق الأمنية عن نمط منظّم في توظيف المخبرين بوصفهم أحد أعمدة إدارة الصراع المجتمعي وضبطه. فمع اندلاع الثورة، فعّل جهاز المخابرات العسكرية شبكات المخبرين على نطاق واسع، سواء عبر زرعهم كعناصر مندسّة داخل التجمعات الاحتجاجية بهدف مراقبتها وتفكيكها من الداخل، أو عبر تحويل الحياة اليومية إلى فضاء للتبليغ عن الآراء والمواقف. وتبيّن مراجعة الوثائق أن جزءاً كبيراً منها ليس سوى سجلات بأسماء مخبرين وتقاريرهم، وأن مضمون تلك التقارير تراوح بين الإبلاغ عن أفراد بسبب تعبيرهم عن موقف ناقد للنظام، وبين اتهام آخرين بصلات مزعومة بـ “العناصر المسلحة” أو “الإرهابيين”.

اعتمدت الأجهزة الأمنية هذه التقارير، في كثير من الأحيان، كأساس كافٍ للاعتقال الفوري، في إطار سياسة تقوم على “الاعتقال أولاً ثم التحقق لاحقاً”، ما جعل المعلومات الكيدية أو غير المؤكدة تنتج أضراراً فعلية بحق الأبرياء قبل أن تُختبر صحتها. (91)

في المستوى الاجتماعي، أسهم هذا الاستخدام الكثيف للمخبرين في تقويض الثقة الأفقية داخل المجتمع وإعادة تشكيل العلاقات بين الأفراد على قاعدة الخوف والريبة. فقد خلقت حالة الاشتباه المتبادل مناخاً شجع بعض الأهالي على فضح هويات من يُعتقد أنهم مخبرون عبر الكتابات الجدارية أو المنشورات السرية، وأفضت في حالات إلى تهديدات مباشرة وأعمال انتقامية استهدفت من وُصفوا بأنهم متعاونون مع الأجهزة. هكذا تحوّلت شبكة المخبرين إلى أداة مزدوجة الوظيفة: فمن جهة وفّرت للأجهزة الأمنية تدفقاً دائماً للمعلومات حول المزاج المعارض والحراك الميداني، ومن جهة أخرى عمّقت الانقسامات والضغائن داخل النسيج الاجتماعي، وأكدت أن أي تعبير عن الرأي قد يُستثمر من قبل أحد الجيران أو المعارف في سياق خصومة شخصية أو ولاء سياسي.

نقل المعتقلين بين الفروع

تُظهر الوثائق أنّ أحد الأساليب التي اعتمدتها الأجهزة الأمنية لإخفاء حقيقة ما يجري داخل مراكز الاحتجاز تمثل في نقل المعتقلين بشكل متكرّر بين الفروع والسجون المختلفة. فقد رُصدت أوامر رسمية تقضي بتحويل محتجزين من فرع إلى آخر أو من سجن أمني إلى سجن عسكري، مع توجيهات صريحة أحياناً بعدم الإفراج عن المعتقل فور انتهاء التحقيق، بل تسليمه إلى فرع أمني آخر لمواصلة الاحتجاز وفتح ملفات اتهام إضافية مزعومة على القضية ذاتها. كما توثّق بعض الصفحات حالات يُذكر فيها اعتقال الشخص والتحقيق معه ثم تسوية وضعه أو الإفراج عنه، من دون أي إشارة إلى مدة احتجازه أو ظروف نقله، وغالباً ما تنقطع السجلات عند لحظة التحويل الأول، بما يخلق فراغاً مقصوداً في تتبّع مسار المعتقلين ومصائرهم(92).

من منظور تحليلي، يساهم هذا “التدوير” المستمر للمعتقلين بين الأفرع في خلق طبقة إضافية من التعقيد والغموض تحول دون ربط الانتهاكات بمرتكبيها بشكل مباشر. فمع كل عملية نقل، تتجزأ سلسلة المسؤولية ويتيسر لكل فرع أن يتنصل من تبعات التعذيب أو الوفاة المشبوهة بحجة أن ما جرى وقع في فرع آخر قبل أو بعد استلامه للمعتقل. وبهذا تتحول كثرة التنقلات إلى أداة بنيوية لإخفاء آثار سوء المعاملة وتضليل أي محاولة لاحقة للتحقيق أو المساءلة، وتُنتج في الوقت نفسه حالة من الإخفاء العملي لمصير المعتقلين، إذ يُحرم ذويهم والمنظمات الحقوقية من مسار واضح لتتبّع أماكن احتجازهم أو الجهة المسؤولة عنهم، بينما تُدفن الجرائم في دهاليز البيروقراطية الأمنية وسلسلة الحجز المقطوعة الحلقات(93).

مأسسة إحالة المدنيين إلى المحاكم العسكرية والاستثنائية

تحوّلت إحالة المدنيين إلى المحاكم العسكرية ومحكمة “قضايا الإرهاب” ومحاكم الميدان من استثناء قانوني محدود إلى مسار ممنهج ومنظّم. هذه الإحالة ليست خطوة إجرائية فقط، بل أداة قمع بحد ذاتها، لأنها تنقل المدني من فضاء القضاء الطبيعي – ولو كان مختلاً – إلى فضاء قضائي مُصمَّم أصلاً لمعاقبته سياسياً، وتمنح الأجهزة الأمنية قدرة على التخلص من خصومها عبر مسار “قانوني” مغلق، ينتهي غالباً بالسجون العسكرية أو بالإعدام(94).

ومثلت إحدى أدوات القمع المركزية تفكيك استقلال القضاء، وتحويل القضاة العسكريين والاستثنائيين إلى امتداد مباشر لضباط المخابرات. فالملفات التي تُحيلها الأجهزة الأمنية تُعامَل كحكم جاهز، لا يُراجع ولا يُناقش إلا في حالات محددة، وتُمنع غالباً ضمانات الدفاع أو الاطلاع على الملف. بهذه الطريقة يصبح القضاء مجرد ختم شرعي على قرارات الاعتقال والتصفية، بدل أن يكون أداة لمحاسبة المنتهكين.

ويلعب ملف التحقيق (الإضبارة) نفسه أداة قمع حيث اُنتزعت الاعترافات تحت التعذيب، ثم صيغت في محاضر تُحوَّل إلى توصيات، يوقّع عليها المحقق، ورئيس قسم التحقيق، ورئيس الفرع، ثم مدير الجهاز الأمني، فمكتب الأمن القومي. هذه السلسلة البيروقراطية الأمنية تُلبس العنف ثوب “الإجراء الإداري”، وتحوّل التعذيب والاعتقال التعسفي إلى وثائق رسمية تُبنى عليها أحكام ميدان أو إرهاب أو إعدام، من دون أي مراجعة مستقلة(95).

استخدام قوانين الإرهاب والمحاكم الميدانية

اُستخدم القانون نفسه كأداة قمع فتعريف “الإرهاب” بقي مقصوداً وفضفاضاً، يتيح تجريم التظاهر، والنشاط الإعلامي، والإغاثة، وأبسط أشكال المعارضة. كما أُعطي القضاء العسكري صلاحية واسعة لمحاكمة المدنيين تحت عناوين “أمن الدولة” و”سلامة الجيش” و”النيل من هيبة الدولة”، ما سمح بتحويل أي نشاط سياسي أو مدني إلى ملف جنائي/عسكري يُفضي إلى صيدنايا أو سجون عسكرية أخرى.

أما المحاكم الميدانية، ومحكمة قضايا الإرهاب، فمثلت ساحات لمحاكمة غير عادلة، وأدوات قمع مُصمَّمة للإعدام والتصفية السريعة، جلسات صورية لدقائق، أحكام قطعية غير قابلة للطعن، سرية كاملة، وارتباط مباشر بأجهزة المخابرات. النتيجة أن آلاف المدنيين حُوِّلوا عبر هذه البوابات إلى أحكام إعدام أو مؤبد في سجن صيدنايا العسكري، من دون دفاع حقيقي أو شفافية.

الشرطة العسكرية، المشافي والسجون كنظام احتجاز استثنائي

لم تكن الشرطة العسكرية جهة تنظيمية فقط، بل أداة قمع مركزية كان لشعبة المخابرات العسكرية سطوة عليها خصوصاً أنها تدير السجون العسكرية، وتشرف على نقل المعتقلين، كما أنها توثّق جثث الضحايا بأرقام وفرعية ملفاتهم، ثم تُسلِّمها للمشافي العسكرية أو مباشرة للمقابر الجماعية. وظيفتها في سلسلة القتل بأن تجعلها حلقة أساسية في إخفاء الجريمة، وبمقابل التوثيق الداخلي الدقيق، كان هناك إنكار كامل أمام العائلات والرأي العام.

أما المستشفيات العسكرية (تشرين، المزة 601، حرستا 600، قطنا 605…) تحوّلت من مرافق علاجية إلى أداة لقمع إضافي: استقبال جثث المعتقلين القتلى، تسجيل الوفاة بأسباب طبيّة مزعومة، غياب أي تشريح أو تحقيق، ثم إعادة تدوير هذه السجلات إلى الشرطة العسكرية والسجل المدني. بهذه الآلية يتم محو أثر التعذيب والإعدام، وتُغلَّف الجريمة بشهادة وفاة “قانونية”(96).

في حين أن السجون العسكرية نفسها أداة قمع مستقلة: فهي خارج أي رقابة مدنية، وتخضع بالكامل للشرطة العسكرية والأجهزة الأمنية. صيدنايا، وتدمر، والبالوني تحوّلت إلى “نهاية المسار” لكل ما سبق من اعتقال وتعذيب وإحالة، أي إلى فضاء احتجاز وإخفاء طويل الأمد أو ساحة إعدام منهجي. مجرد إحالة المدني إلى سجن عسكري، في هذا السياق، كانت عقوبة قمعية تفوق أي مضمون حكم مكتوب(97).

السجل المدني والمقابر الجماعية كحلقة إغلاق على الحقيقة

تسجيل الوفيات في السجل المدني بناءً على قوائم تأتي من الشرطة العسكرية، دون ذكر مكان الاحتجاز أو ظروف الوفاة، أداة قمع تطال الذاكرة والحق في الحقيقة. تُدفَن الجثث في مقابر جماعية مجهولة، وتُدوَّن في السجلات الرسمية كوفيات “طبيعية”، فيتم إغلاق دائرة الإخفاء: من الاعتقال والتعذيب، إلى القتل، إلى التزوير البيروقراطي لسبب ومكان الوفاة(98).

الفساد والواسطة كأداة قمع انتقائي

القدرة على دفع الفدية أو الوصول إلى وساطة نافذة تحوّلت بدورها إلى أداة قمع، لأنها تجعل مصير المعتقل مرتبطاً بالمال والنفوذ لا بالقانون. فإمكانية تخفيف التهمة أو تغيير مسار الإحالة أو الإفراج، بقيت متاحة لمن يملك “ثمن النجاة”، مقابل آلاف المعتقلين الذين تُركوا في مسار صيدنايا والمشانق فقط لأنهم فقراء أو بلا شبكة علاقات. بهذا يصبح الفساد نفسه جزءاً من بنية القمع، لا مجرد انحراف جانبي عنها(99).

خاتمة وتوصيات

تُظهر هذه الدراسة، عند جمع خيوطها، أنّ شعبة المخابرات العسكرية لم تكن مجرّد جهاز أمني متغوّل داخل بنية النظام البائد، بل كانت الإطار الناظم لمنظومة قمعية متكاملة أعادت تعريف علاقة الدولة بالمجتمع على أساس الشك والخوف. فمن خلال بنية مركزية متماسكة، وفروع إقليمية متشعّبة في المحافظات والبلدات، نجحت الشعبة في تحويل المجتمع والجيش معاً إلى فضاءٍ مراقَب باستمرار؛ تُعرَّف فيه الأفراد لا بوصفهم مواطنين أصحاب حقوق، بل كـ”ملفات أمنية” قابلة للإخضاع أو الإخفاء أو التصفية وفق معايير الولاء السياسي والأمني.

كما بيّن تحليل أدوار الفروع المركزية والإقليمية، ومسارات الإحالة إلى المحاكم العسكرية والاستثنائية، أنّ الانتهاكات الجسيمة التي ارتُكبت لم تكن سلسلة حوادث منفصلة أو تجاوزات فردية، بل نتاج تصميم مؤسسي واعٍ: جهاز يتمتع باستقلال وظيفي وإداري واسع، خارج أي رقابة فعّالة، يتحكم في حركة الضباط وترقياتهم، وفي مصائر المدنيين عبر الاعتقال والتحقيق والتعذيب، ويستخدم القضاء العسكري والمستشفيات العسكرية والسجل المدني كحلقات متتابعة في سلسلة إخفاء الجريمة وإغلاق الحقيقة.

وتكشف الدراسة أيضاً أنّ تدخل شعبة المخابرات العسكرية في حياة المدنيين لم يكن حادثاً عارضاً في ظرف استثنائي، بل جزءاً بنيوياً من عقيدتها الوظيفية؛ إذ توسّع اختصاصها من مراقبة الجيش إلى التحكم بالفضاء العام، من الجامعات والنقابات إلى الأحياء والأسواق، ومن اللاجئين الفلسطينيين إلى النشطاء والإعلاميين والمعارضين السوريين وحتى العرب والأجانب. وبذلك طُمست الحدود الفاصلة بين الأمن العسكري والأمن الداخلي، وبين الدفاع عن الدولة وبين السيطرة على المجتمع، ما جعل أي مشروع لإصلاح القطاع الأمني في سوريا الجديدة مطالباً، قبل كل شيء، بتفكيك هذا التداخل العميق وإعادة رسم حدود صارمة بين “الأمن الوطني” و”الأمن ضد المواطنين”.

انطلاقاً من ذلك، يتضح أن تحقيق عدالة انتقالية فعلية، وإعادة بناء مؤسسات أمنية خاضعة للمساءلة في سوريا الجديدة، يمرّ عبر تفكيك البنية التي مكّنت شعبة المخابرات العسكرية من التغلغل في حياة المدنيين، ومساءلة المسؤولين عن الانتهاكات، وإعادة تعريف وظيفة الاستخبارات العسكرية حصراً في إطارها المهني الضيّق داخل القوات المسلحة. فدون إخراج المجتمع من مدار السيطرة الأمنية، وإعادة الاعتبار لمبدأ المواطنة وسيادة القانون، ستظل مخاطر إعادة إنتاج “الدولة الأمنية” قائمة، ولو بأسماء جديدة وشعارات مختلفة.

وعليه، توصي هذه الدراسة بالتالي:

ينبغي إعادة ضبط موقع المخابرات العسكرية في سوريا الجديدة والعمل على إعادة تعريف جذرية لوظيفتها واختصاصها في الإطار الدستوري والقانوني. كما ينبغي أن ينصّ الدستور صراحة على حصر اختصاص أي جهاز استخبارات عسكري بأمن القوات المسلحة ومسرح العمليات العسكرية، وتجريده من أي صلاحيات مباشرة على المدنيين أو على الحياة السياسية والإعلامية والاقتصادية. ويُستكمل ذلك بإصدار قانون شامل للأجهزة الأمنية يحدّد صلاحيات كل جهاز، ويُجرّم بوضوح احتجاز المدنيين أو التحقيق معهم أو مراقبتهم من قبل المخابرات العسكرية خارج إطار إذن قضائي، ويعدّ أي تجاوز لذلك جريمة يُسأل عنها جزائياً وعسكرياً.

على المستوى المؤسسي، يتطلّب إصلاح القطاع الأمني الشروع في فهم أعمق لآلية عمل شعبة المخابرات العسكرية ودراسة ملفاتها بشكل معمق، ثم إعادة انتاجها وفق منهج وطني يبقيها في إطار استخبارات دفاعية (مكافحة التجسس العسكري وحماية الوحدات) تحت مسمى وهيكلية جديدة خاضعة لرقابة وزير الدفاع ومساءلة برلمانية دورية مغلقة. كما ينبغي حظر احتجاز المدنيين في السجون والمقار العسكرية، ونقل هذه الوظيفة بالكامل إلى منظومة سجون مدنية تابعة لوزارة العدل أو الداخلية تخضع لرقابة قضائية وبرلمانية ومجتمعية واضحة.

في المقابل، ينبغي بناء منظومة متينة للرقابة والمساءلة تكسر منطق السرّية المطلقة الذي حمى الانتهاكات تاريخياً. يشمل ذلك إنشاء لجنة برلمانية دائمة للأمن والدفاع بصلاحيات مراجعة السياسات والموازنات واستدعاء القيادات الأمنية، إلى جانب هيئة رقابة مستقلة على الاستخبارات تتمتع بصلاحية الدخول إلى المرافق الأمنية واستقبال شكاوى الأفراد ونشر تقارير علنية. كما ينبغي أن يُخضَع أرشيف شعبة المخابرات العسكرية (الخاص بالانتهاكات) لهيئة مستقلة للحقيقة والعدالة تمكّن الضحايا وذويهم من الوصول إلى المعلومات، وتوثّق البنية والمسؤوليات، بالتوازي مع ملاحقة المتورطين في جرائم التعذيب والقتل والإخفاء القسري عن أي موقع أمني أو عسكري لعرضهم أمام المحاكم السورية.

إن منع إعادة إنتاج الدولة الأمنية يتطلب تقنين أدوات المراقبة والاتصالات تحت إشراف قضائي صارم، بحيث تُخضع أي عملية تنصّت أو مراقبة إلكترونية لنظام تراخيص قضائية محددة المدة والغاية، وتوثَّق كافة الإجراءات وتُراجع لاحقاً قضائياً وبرلمانياً لمنع تحوّل المراقبة التقنية مجدداً إلى أداة للتحكّم بالمجتمع.

ويتكامل ذلك مع إدماج مقررات إلزامية في حقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني ضمن مناهج الكليات والمعاهد العسكرية والأمنية، وربط التعيينات والترقيات الحساسة بسجل السلوك المهني واحترام القانون لا بالولاء الشخصي، وإشراك منظمات المجتمع المدني وروابط الضحايا وذوي المعتقلين والمختفين في تصميم ومراقبة سياسات إصلاح الأجهزة الأمنية بما يضمن أن تعكس هذه السياسات خبرة الضحايا ومطالبهم بعدم تكرار الجرائم.

وفي المستوى الخارجي، ينبغي ربط أي برامج دعم دولية لإصلاح القطاع الأمني في سوريا الجديدة بإجراءات ملموسة لحصر اختصاص المخابرات العسكرية في إطارها العسكري المحدد، وبالتقدّم الحقيقي في مسار المحاسبة وكشف الحقيقة، بما يمنع إعادة تدوير الجهاز القديم في ثوب جديد. بهذه الحزمة المتكاملة من الإجراءات يصبح الانتقال ممكناً من مقاربة تجميل الأجهزة القائمة إلى تفكيك منطقها القديم وإعادة تأسيس علاقة جديدة بين الأمن والمجتمع، يكون فيها الجيش والأجهزة الاستخباراتية أدوات لحماية المواطنين والدستور، لا أدوات لترويعهم وضبط حياتهم اليومية.

ملحق1: قادة شعبة المخابرات العسكرية منذ عام 1965

#الرتبة والاسممنإلىالمحافظةالمذهب
1اللواء علي محمد ظاظا196504/04/1971دمشقسني/كردي
2العماد حكمت الشهابي04/04/197112/18/1974حلبسني
3العماد علي عيسى دوبا12/18/197401/02/2000اللاذقيةعلوي
4اللواء حسن خليل01/02/200014/02/2005حمصعلوي
5العماد اصف شوكت14/02/200501/07/2009طرطوسعلوي
6اللواء عبد الفتاح سليمان قدسية01/07/200924/07/2012حماهعلوي
7اللواء رفيق محمود شحادة24/07/201218/03/2015اللاذقيةعلوي
8اللواء محمد محمود محلا18/03/201522/03/2019اللاذقيةعلوي
9اللواء كفاح محمد ملحم22/03/201917/01/2024طرطوسعلوي
10اللواء كمال علي حسن17/01/202408/12/2024طرطوسعلوي
جدول (1) أسماء رؤساء شعبة المخابرات العسكرية منذ عام 1965 وحتى سقوط نظام الأسد

ملحق 2آخر قادة الأفرع الأمنية التابعة لشعبة المخابرات العسكرية

#الفرعالرتبة والاسمملاحظة
أولاًالفروع المركزية
1الفرع 248 – فرع التحقيقالعميد حافظ عليمُكلف بتيسير أمور الفرع
2الوحدة 215 – سرية المداهمةالعميد حسام سبوعمكلف بتسيير أمور الوحدة
3الفرع 216 – فرع الدوريات
4الفرع 235 – فرع فلسطينالعميد ماجد ابراهيم
5الفرع 291 – الفرع الإداري
6الفرع 293 – فرع الضباطالعميد فايز حمدان
7الفرع 294 – أمن القواتالعميد حسام سكرمُكلف بتيسير أمور الفرع
8الفرع 283 – فرع الملحقينالعميد عبدالله علي عثمانمُكلف بتيسير أمور الفرع
9الفرع 236 – الفرع الخارجيالعميد كريم علي محرز
10الفرع 237 – فرع الإشارةالعميد الدكتور عمار باكير
11الفرع 217 – الشؤون الإداريةالعميد ياسر جنيكة
12الفرع 277 – فرع الديوانالعميد أسامة زهر الدين
13فرع التوجيه السياسيالعميد علي الحسين
14فرع الشؤون الفنيةالعميد آصف راشد
15الوحدة 259، مدرسة ميسلونالعميد طلال حسن
16المركز الطبي في الشعبةالعميد الدكتور حسان حنا اللاطيطبيب مختص (أنف – اذن – حنجرة)
ثانياًالفروع الإقليمية
1الفرع 227 – فرع المنطقة دمشقالعميد نيقولا تقلا
2الفرع 265 – فرع السويداءالعميد لؤي علي
3الفرع 220 – فرع سعسعالعميد أديب سليمان
4الفرع 261 – فرع حمصالعميد فراس الحسن
5الفرع 219 – فرع حماةالعميد عدي غصةقُتل خلال معركة ردع العدوان
6الفرع 223 – فرع اللاذقيةالعميد طاهر سليمان
7الفرع 256 – فرع طرطوسالعميد غازي خليل
8الفرع 271 – فرع إدلبالعميد عصام سلوممُكلف بتيسير أمور الفرع
9الفرع 290 – فرع حلبالعميد أحمد العليقُتل خلال معركة ردع العدوان
10الفرع 243 – فرع دير الزورالعميد مهند محمد
11الفرع 222 – فرع الحسكة
12الفرع 221 – فرع الباديةالعميد أيمن محمد
جدول (1) أسماء رؤساء أفرع شعبة المخابرات العسكرية في آخر موقف قبل سقوط نظام الأسد البائد
  1. () مهند الصالح، “صندوق المخابرات السورية الأسود وابنها العاق السراج”، الجزيرة نت، تاريخ النشر: 21/02/2018، رابط إلكتروني: https://bit.ly/48gjhVY 
  2. () Carl Anthony Wege, “Assad’s Legions: The Syrian Intelligence Services,” International Journal of Intelligence and Counterintelligence 4, no. 1 (1990): 92–93. 
  3. () ساشا العلو ومحسن المصطفى، “إحالة المدنيين إلى السجون العسكرية خلال الثورة السورية: الإجراءات والمسارات والبوابات القضائية (سجن صيدنايا نموذجاً)”، متحف سجون سوريا، تاريخ النشر: 15/09/2025، رابط إلكتروني: https://bit.ly/3VPky0n 
  4. ()“في أول تقرير من نوعه.. منظومة القمع الأسدية في ميزان الأرقام”، زمان الوصل، 03/04/2016، رابط إلكتروني: https://bit.ly/42QgVKK 
  5. () “Out of Sight, Out of Mind: Deaths in Detention in the Syrian Arab Republic”, Human Rights Council, Publish Date: 03/02/2016, Publish Link: https://bit.ly/3YwdAPD 
  6. () ساشا العلو ومحسن المصطفى، “إحالة المدنيين إلى السجون العسكرية خلال الثورة السورية: الإجراءات والمسارات والبوابات القضائية (سجن صيدنايا نموذجاً)”، مرجع سابق. 
  7. () معن طلاع ومجموعة من الباحثين، “الأجهزة الأمنية السورية وضرورات التغيير البنيوي والوظيفي”، مركز عمران للدراسات الاستراتيجية، تاريخ النشر: 14/07/2016، رابط إلكتروني: https://bit.ly/4ihfEnz 
  8. ()“المادة 2 من المرسوم التشريعي 18 لعام 2003، قانون الخدمة العسكرية”، مجلس الشعب السوري، تاريخ النشر: 21/04/2003، رابط إلكتروني: https://bit.ly/3GyL0Cq 
  9. () المرجع السابق، المادة 13، الفصل الأول، الباب الرابع. 
  10. () معن طلاع ومجموعة من الباحثين، “الأجهزة الأمنية السورية وضرورات التغيير البنيوي والوظيفي”، مرجع سابق. 
  11. ()معن طلاع ومجموعة من الباحثين، “الأجهزة الأمنية السورية وضرورات التغيير البنيوي والوظيفي”، مرجع سابق. 
  12. ()“كشف الهرمية العسكرية وتسلسل القيادة والأوامر في سجن صيدنايا الأكثر شهرة في سوريا”، رابطة معتقلي ومفقودي سجن صيدنايا العسكري، تاريخ النشر: 03/10/2022، رابط إلكتروني: https://bit.ly/44r2Nt3 
  13. () “By All Means Necessary! Individual and Command Responsibility for Crimes against Humanity in Syria”, Human Rights Watch, Publish Date: 15/12/2011, Link: https://bit.ly/4iDTlZv 
  14. ()معن طلاع ومجموعة من الباحثين، “الأجهزة الأمنية السورية وضرورات التغيير البنيوي والوظيفي”، مرجع سابق. 
  15. () “شعبة المخابرات العسكرية – الأمن العسكري”، الذاكرة السورية، 6 أيار/مايو 2024، رابط إلكتروني: https://bit.ly/3GrYDbk 
  16. () “النظام السوري يزيل حواجز جديدة ونقاط تفتيش في دمشق وريفها”، العربي الجديد، 20 أيلول/سبتمبر 2023، رابط إلكتروني: https://bit.ly/448bs4o 
  17. () ساشا العلو ومحسن المصطفى، “إحالة المدنيين إلى السجون العسكرية خلال الثورة السورية: الإجراءات والمسارات والبوابات القضائية (سجن صيدنايا نموذجاً)”، مرجع سابق. 
  18. () انظر الملحق. 
  19. () كافة المعلومات الواردة في فقرة الفرع 248 هي معلومات رسمية من ملف مسرب حول مهام وأقسام الفرع 248، موجود لدى متحف سجون سوريا. اطلع عليه الباحث. 
  20. () المعلومات الواردة في فقرة الفرع 215 هي مستقاة من دراسة لمتحف سجون سوريا بعنوان ” الوحدة 215 (سرية المداهمة) في المخابرات العسكرية السورية: البنية البيروقراطية للقتل في سجون الدولة” للمزيد راجع موقع متحف سجون سوريا. 
  21. () “فرع الدوريات في المخابرات العسكرية 216″، الذاكرة السورية، تاريخ النشر: 06/05/2024 ، رابط إلكتروني: https://bit.ly/3XMWGeW 
  22. ()” الوحدة 215 (سرية المداهمة) في المخابرات العسكرية السورية: البنية البيروقراطية للقتل في سجون الدولة”، مرجع سابق. 
  23. () معن طلاع ومجموعة من الباحثين، “الأجهزة الأمنية السورية وضرورات التغيير البنيوي والوظيفي”، مرجع سابق 
  24. ()“الوحدة 215 (سرية المداهمة) في المخابرات العسكرية السورية: البنية البيروقراطية للقتل في سجون الدولة”، مرجع سابق. 
  25. () “فرع فلسطين في المخابرات العسكرية 235″، الذاكرة السورية، تاريخ النشر: 06/05/2024، رابط إلكتروني: https://bit.ly/4iij9de 
  26. () مقابلة هاتفية أجراها الباحث مع العميد عبدالله الحريري، وهو عميد منشق من شعبة المخابرات العسكرية، تاريخ المقابلة: 27/11/2025، مدة المقابلة: 1 ساعة. 
  27. () مراد أبو راس، “خزائن الرعب وتفاصيل فروع القتل والتعذيب الأمنية السورية”، الجزيرة نت، تاريخ النشر: 04/02/2025، رابط إلكتروني: https://bit.ly/44wppZ7 
  28. ()“الأجهزة الأمنية السورية وضرورات التغيير البنيوي والوظيفي”، مرجع سابق. 
  29. () مقابلة هاتفية أجراها الباحث مع العميد عبدالله الحريري، مرجع سابق. 
  30. () “الأجهزة الأمنية السورية وضرورات التغيير البنيوي والوظيفي”، مرجع سابق. 
  31. ()“للجدران آذان: تحليل وثائق سرية من أجهزة الأمن السورية”، المركز السوري للعدالة والمساءلة (SJAC)، تاريخ النشر: نيسان 2019، رابط إلكتروني: https://bit.ly/48vTydz 
  32. ()“للجدران آذان: تحليل وثائق سرية من أجهزة الأمن السورية”، مرجع سابق. 
  33. () “شعبة المخابرات العسكرية – المكتب الثاني” التاريخ السوري المعاصر، تاريخ النشر: 13/06/2020، رابط إلكتروني: https://bit.ly/4rlShx1 
  34. () “وثائق سرية تكشف مراقبة النظام السوري البائد المكثفة لزمان الوصل”، زمان الوصل، تاريخ النشر: 25/09/2025، رابط إلكتروني: https://bit.ly/4os6Ble 
  35. () “تقارير محاكمة أنور رسلان”، المركز السوري للعدالة والمساءلة (SJAC)، تاريخ النشر: 13/01/2022، رابط إلكتروني: https://bit.ly/3M0DOqf 
  36. () “وثائق سرية تكشف مراقبة النظام السوري البائد المكثفة لزمان الوصل”، مرجع سابق. 
  37. () “هكذا سلّمت مخابرات الأسد “إسرائيل” ساعة الجاسوس كوهين”، زمان الوصل، تاريخ النشر: 11/04/2020، رابط إلكتروني: https://bit.ly/4p3tigE 
  38. () “Country of origin information report Syria June 2021”, Ministry of Foreign Affairs of Netherlands, Publish Date: 14/06/2021, Publish Link: https://bit.ly/4ooQHI9 
  39. ()“للجدران آذان: تحليل وثائق سرية من أجهزة الأمن السورية”، مرجع سابق. 
  40. () معن طلاع ومجموعة من الباحثين، “الأجهزة الأمنية السورية وضرورات التغيير البنيوي والوظيفي”، مرجع سابق. 
  41. () “الأجهزة الأمنية وأفرعها والقائمين عليها”، الشبكة السورية لحقوق الانسان، تاريخ النشر: 2012، رابط إلكتروني: https://bit.ly/44AQXN1 
  42. () مقابلة هاتفية أجراها الباحث مع العميد عبدالله الحريري، مرجع سابق. 
  43. () “كيف تراقب روسيا الانترنت والاتصالات السورية؟”، جريدة المدن، تاريخ النشر: 30/07/2019، رابط إلكتروني: https://bit.ly/48fkhK1 
  44. () وثيقة مسربة اطلع عليها الباحث، للمزيد راجع متحف سجون سوريا. 
  45. () “شعبة المخابرات العسكرية – المكتب الثاني” التاريخ السوري المعاصر، مرجع سابق. 
  46. () غريغوري ووترز، كايلا كونتز، “شبيحة إلى الأبد.. تأسيس الأسد للميليشيات والسيطرة عليها واستخدامها منذ عام 2011″، المركز العربي لدراسات سورية المعاصرة، تاريخ النشر: 22/11/2023، رابط إلكتروني: https://bit.ly/49GVyRh 
  47. () محمد الأحمد، “روسيا تجند شباناً سوريين: منطقة النفوذ تتسع”، العربي 21، تاريخ النشر: 10/03/2021، رابط إلكتروني: https://bit.ly/4ohhTs8 
  48. () محمد كركص، “صرخات لم تصل.. مأساة معتقلي سوريا في زمن نظام الأسد”، سطور سوريا (نسخة مؤرشفة)، تاريخ النشر: 05/07/2025، رابط إلكتروني: https://bit.ly/48hgQCx 
  49. () مقابلة هاتفية أجراها الباحث مع العميد عبدالله الحريري، مرجع سابق. 
  50. ()“دمشق ترفض إعمار المناطق المدمرة وتريد بناء مدن جديدة”، الشرق الأوسط، تاريخ النشر: 26/04/2022، رابط إلكتروني: https://bit.ly/4pyI4fc 
  51. () “No Silent Witnesses :Violations Against Children in Syrian Detention Centers”, Lawyers & Doctors for Human Rights, Publish Date: December 2019, Publish Link: https://bit.ly/4ogXEuI 
  52. () “شعبة المخابرات العسكرية – المكتب الثاني” التاريخ السوري المعاصر، مرجع سابق. 
  53. () “سجن مدرسة المخابرات العسكرية بمنطقة ميسلون” مركز جسور للدراسات، تاريخ النشر: آذار/مارس 2023، رابط إلكتروني: https://bit.ly/482RLwp 
  54. () “قوائم رسمية برؤساء أفرع شعبة المخابرات العسكرية وأبرز المتورطين في جرائم الحرب”، زمان الوصل، تاريخ النشر: 11/09/2025، رابط إلكتروني: https://bit.ly/48ksyfK 
  55. () ساشا العلو ومحسن المصطفى، “إحالة المدنيين إلى السجون العسكرية خلال الثورة السورية: الإجراءات والمسارات والبوابات القضائية (سجن صيدنايا نموذجاً)”، مرجع سابق. 
  56. () “شعبة المخابرات العسكرية – الأمن العسكري”، مؤسسة الذاكرة السورية، 6 أيار/مايو 2024، رابط إلكتروني: https://bit.ly/3GrYDbk 
  57. () “No End in Sight: Torture and ill-treatment in the Syrian Arab Republic 2020-2023”, UN, Publish Date:10/07/2023, Publish Link: https://bit.ly/49MFldv 
  58. () مقابلة هاتفية أجراها الباحث مع العميد عبدالله الحريري، مرجع سابق. 
  59. () “شعبة المخابرات العسكرية – المكتب الثاني” التاريخ السوري المعاصر، مرجع سابق. 
  60. () “No End in Sight: Torture and ill-treatment in the Syrian Arab Republic 2020-2023”, Ibid 
  61. () “No End in Sight: Torture and ill-treatment in the Syrian Arab Republic 2020-2023”, Ibid 
  62. () “شعبة المخابرات العسكرية – الأمن العسكري”، الذاكرة السورية، مرجع سابق. 
  63. () “Detention Facility Names and Geocoordinates”, IIIM, Publish Date: 05/12/2024, Publish Link: https://bit.ly/4itdQYM 
  64. () “الفرع “261” في حمص.. انتهاكات وجرائم ضد الإنسانية لا تحصى”، مع العدالة، تاريخ النشر: 15/04/2020، رابط إلكتروني: https://bit.ly/4ok5kwm 
  65. () “Detention Facility Names and Geocoordinates”, Ibid 
  66. () “شعبة المخابرات العسكرية – الأمن العسكري”، الذاكرة السورية، 6 أيار/مايو 2024، مرجع سابق. 
  67. () “Detention Facility Names and Geocoordinates”, Ibid 
  68. () ساشا العلو ومحسن المصطفى، “إحالة المدنيين إلى السجون العسكرية خلال الثورة السورية: الإجراءات والمسارات والبوابات القضائية (سجن صيدنايا نموذجاً)”، مرجع سابق. 
  69. () “شعبة المخابرات العسكرية – المكتب الثاني”، مرجع سابق 
  70. () “Detention Facility Names and Geocoordinates”, Ibid 
  71. () “شعبة المخابرات العسكرية – الأمن العسكري”، مرجع سابق. 
  72. () “Detention Facility Names and Geocoordinates”, Ibid 
  73. () “ما وراء الكواليس: حلّ لغز البيروقراطية في آلة الموت السورية”، مع العدالة، تاريخ النشر: 27/01/2024، رابط إلكتروني: https://bit.ly/49MJazn 
  74. () “Detention Facility Names and Geocoordinates”, Ibid 
  75. () “ما وراء الكواليس: حلّ لغز البيروقراطية في آلة الموت السورية”، مرجع سابق. 
  76. () “Detention Facility Names and Geocoordinates”, Ibid 
  77. () “Detention Facility Names and Geocoordinates”, Ibid 
  78. () “Detention Facility Names and Geocoordinates”, Ibid 
  79. () تم الاعتماد في هذا القسم على ملفات مسربة اطلع عليها الباحث موجودة لدى متحف سجون سوريا، وكذلك على دراسات منشورة سابقاً وعلى رأسها: “للجدران آذان: تحليل وثائق سرية من أجهزة الأمن السورية”، المركز السوري للعدالة والمساءلة (SJAC)، تاريخ النشر: نيسان 2019، رابط إلكتروني: https://bit.ly/48vTydzكما تم الاعتماد على: ساشا العلو ومحسن المصطفى، “إحالة المدنيين إلى السجون العسكرية خلال الثورة السورية: الإجراءات والمسارات والبوابات القضائية (سجن صيدنايا نموذجاً)”، مرجع سابق. 
  80. ()“للجدران آذان: تحليل وثائق سرية من أجهزة الأمن السورية”، مرجع سابق 
  81. () المرجع السابق. 
  82. ()“الداخلية تزيل خمسة ملايين اسم من قوائم منع السفر في سوريا”، عنب بلدي، تاريخ النشر: 20/11/2025، رابط إلكتروني: https://bit.ly/49Jg2Ji 
  83. ()“في أول تقرير من نوعه.. منظومة القمع الأسدية في ميزان الأرقام”، مرجع سابق. 
  84. ()“للجدران آذان: تحليل وثائق سرية من أجهزة الأمن السورية”، مرجع سابق. 
  85. ()“للجدران آذان: تحليل وثائق سرية من أجهزة الأمن السورية”، مرجع سابق 
  86. () المرجع السابق. 
  87. () “ما وراء الكواليس: حلّ لغز البيروقراطية في آلة الموت السورية”، مرجع سابق. 
  88. ()“للجدران آذان: تحليل وثائق سرية من أجهزة الأمن السورية”، مرجع سابق. 
  89. () “ما وراء الكواليس: حلّ لغز البيروقراطية في آلة الموت السورية”، مرجع سابق. 
  90. ()“للجدران آذان: تحليل وثائق سرية من أجهزة الأمن السورية”، مرجع سابق 
  91. () المرجع السابق. 
  92. () “ما وراء الكواليس: حلّ لغز البيروقراطية في آلة الموت السورية”، مرجع سابق. 
  93. () المرجع السابق. 
  94. () ساشا العلو ومحسن المصطفى، “إحالة المدنيين إلى السجون العسكرية خلال الثورة السورية: الإجراءات والمسارات والبوابات القضائية (سجن صيدنايا نموذجاً)”، مرجع سابق. 
  95. () المرجع السابق. 
  96. () “دفنوهم بصمت…آليات القتل والإخفاء في مشفى تشرين العسكري”، رابطة معتقلي ومفقودي سجن صيدنايا، 02/10/2023، رابط إلكتروني: https://bit.ly/42BzbYn 
  97. () ساشا العلو ومحسن المصطفى، “إحالة المدنيين إلى السجون العسكرية خلال الثورة السورية: الإجراءات والمسارات والبوابات القضائية (سجن صيدنايا نموذجاً)”، مرجع سابق. 
  98. ()“المئات من بيانات الوفاة لمختفين قسرياً لدى النظام السوري”، الشبكة السورية لحقوق الإنسان، 20/12/2022، رابط إلكتروني:https://bit.ly/44TEQvu  
  99. () ساشا العلو ومحسن المصطفى، “إحالة المدنيين إلى السجون العسكرية خلال الثورة السورية: الإجراءات والمسارات والبوابات القضائية (سجن صيدنايا نموذجاً)”، مرجع سابق. 
شارك

اترك ردّاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *