المرسوم التشريعي 24: العفو كدينامية لاحتياجات داخلية
تم نشر المادة الأصلية على موقع: مركز عمران للدراسات الاستراتيجية: http://bit.ly/3jvYPe6
في 21 كانون الأول/ديسمبر 2022 أصدر بشار الأسد المرسوم التشريعي 24 لعام 2022 القاضي بمنح عفو عام عن الجرائم المرتكبة قبل تاريخ 21-12-2022 وفقاً لأحكام هذا المرسوم التشريعي([1])، جاء المرسوم ضمن ثمان موادٍ مقتضبة تحمل في طياتها منح عفو عن جرائم مرتبطة بالجنح والمخالفات وكذلك جرائم الفرار الداخلي والخارجي، كما شمل المرسوم استثناء بعض الجرائم من العفو، بالإضافة لاشتراطات من أجل الاستفادة من العفو.
شمل المرسوم رقم 24 العفو عن كافة العقوبات في الجنح والمخالفات ولا يشمل الجنايات - عدا العفو عن جريمة الفرار الخارجي ([2]) وهو ليس محصوراً في قانون العقوبات العام وقانون العقوبات العسكرية فقط، بل يشمل كافة الجنح والمخالفات في أي قانون جزائي بما فيها على سبيل المثال الجنح الواردة المواد /44 إلى 47/ في قانون المخدرات ([3]).
حملت المادة الثانية من المرسوم، عفواً عن جرائم الفرار الداخلي والخارجي الواردة في المواد 100 و101 من قانون العقوبات وأصول المحاكمات العسكرية ([4])، وهذا العفو الثاني الخاص بالعسكريين هذا العام بعد المرسوم التشريعي 3 لعام 2022([5]).
جاء النص القانوني مطابقاً لما ورد ببقية مراسيم العفو من ناحية عدم شمول أحكام هذه المادة للمتوارين عن الأنظار والفارين عن وجه العدالة إلا إذا سلموا أنفسهم خلال ثلاثة أشهر بالنسبة للفرار الداخلي وأربعة أشهر بالنسبة للفرار الخارجي.
أورد المرسوم العفو عن الفرار العسكري بمادة خاصة وذلك باعتبار أن جرم الفرار الداخلي هو جنحي الوصف، في حين أن الفرار الخارجي يندرج تحت الجرائم الجناية.
يمنح المرسوم 24، العفو عن الجرائم المرتكبة قبل تاريخ صدوره وبالتالي إذا كان الشخص الموجود في السجن عسكرياً مجنداً فسيتم إطلاق سراحه مباشرة ويعود إلى خدمته وكأنه لم يرتكب جرماً ليتابع خدماته من النقطة التي توقف عندها قبل فراره (ولا تحتسب مدة بقاءه في السجن من ضمن مدة خدمته الإلزامية) أما إذا كان عسكرياً متطوعاً فإنه يتابع خدمته وكأنه لم يرتكب جرماً على الاطلاق.
حدد مرسوم العفو الصادر في المادة الثالثة منه العفو عن كامل العقوبة في الجنح والمخالفات، إلا أن المرسوم تضمن مجموعة من الاستثناءات كما يلي:
قانون العقوبات العام: استثنى مرسوم العفو الجرائم المنصوص عليها في /42/ مادة من قانون العقوبات الصادر بالمرسوم التشريعي 148 لعام 1949 وتعديلاته([6])، وهي المواد: 271\273\275\276\277\341\347\348\349\351\ 361\386\387\398\402\403\405\428\450 إلى 457\460\473 إلى 478\499\500\504\507\520\576\579\580\584\625 مكرر ([7])، حيث تشمل هذه المواد مجموعة من الجرائم المختلفة التي يمكن ايجازها بما يلي: الدخول إلى مكان محظور من أجل حيازة وثائق سرية تخص سلامة الدولة؛ صفقات تجارية مع العدو؛ سوء استخدام السلطة والرشاوي والاختلاس؛ نزع أو إتلاف وثائق أو حرقها؛ شهادة الزور واليمين الكاذبة والترجمة الكاذبة؛ عمليات التزوير؛ الزنا؛ السفاح؛ الخطف بقصد الزواج؛ افتعال حريق عمداً أو بسبب الإهمال؛ سرقة السيارات أو محتوياتها.
قانون العقوبات العسكرية: استثنى مرسوم العفو عدد قليل فقط من الجرائم الواردة في قانون العقوبات وأصول المحاكمات العسكرية الصادر بالمرسوم التشريعي رقم (61) لعام 1950 وتعديلاته، وهي: الفقرات (ب-ج-د) من المادة (133) والمادتين (134/140)، وتشمل هذه الجرائم، عقوبات للعسكري ممن يبيع أو يرهن أو يتصرف أو يسرق أو يختلس أو يتلف السلاح أو العتاد أو الذخيرة أو المواد المسلمة له والعائدة للجيش.
وهذه هي المرة الأولى التي يشمل بها مرسوم عفو كافة الجنح والمخالفات الواردة في قانون العقوبات العسكرية والاستثناءات الخاصة به الواردة أعلاه، ويشمل أيضاً العفو عن متخلفي الخدمة الإلزامية باعتبار أنها جرائم جنحية الوصف.
يذكر أن مرسوم العفو السابق الصادر بالمرسوم التشريعي رقم 7 لعام 2022 لم يتضمن العفو على أي من مواد قانون العقوبات العسكرية وهو ما شكل فجوة في المرسوم رقم 7 ([8])، خصوصاً أن قانون العقوبات العسكرية يسمح بمحاكمة المدنيين أمام المحاكم العسكرية والتي استُخدمت على نطاق واسع لمحاكمة المدنيين أمامها وكانت الأداة «ذات المظهر القانوني» التي استخدمها النظام الحاكم من أجل محاكمة المعارضين له ([9]).
الجرائم المستثناة والواردة في عدد من النصوص القانونية: استثنى مرسوم العفو كافة الجرائم الواردة في النصوص القانونية التالية:
إضافة لما سبق لم يشمل مرسوم العفو عن دعاوى الحق الشخصي كما لم يشمل غرامات مخالفات قوانين وأنظمة القطع والصرافة والحوالات والسير والتبغ والتنباك والطوابع، وكذلك كافة الغرامات المنصوص عليها في القوانين والتي تحمل طابع التعويض المدني، كما اشترط المرسوم للاستفادة من العفو " تسديد المحكوم عليه بحكم مبرم للالتزامات المحكوم بها لصالح الجهة المدعية وفق الأصول المعمول بها، أو تقديم إسقاط حق شخصي" وذلك بالنسبة للجنح المنصوص عليها في المواد (628 وحتى 659) من قانون العقوبات العام وهي مواد تتعلق بالسرقة والاختلاس والتعدي من قانون العقوبات العام، كما لا يتم الاستفادة من العفو "إذا كانت الدعوى العامة لم يتم تحريكها أو كانت في طور المحاكمة لا يتم الاستفادة من العفو إلا بوجود إسقاط حق شخصي، وللمضرور دفع سلفة الادعاء خلال ثلاثين يوماً من نفاذ هذا المرسوم التشريعي.
اللافت في هذه المرسوم هو شموله لكافة الجنح والمخالفات الواردة في قانون العقوبات وأصول المحاكمات العسكرية ويمكن اعتباره المرسوم الأشمل الذي يتضمن عفواً عن الجرائم الواردة في هذا القانون منذ عام 2011، وبالتالي يمكن أن يشمل العفو عدد كبير من العسكريين أو المدنيين المحكوم عليهم بجنح ومخالفات بناءً على مواد هذا القانون، يبدو أن النظام يحاول أن يستفيد من أكبر قدر من العسكريين الموجودين في السجون العسكرية أو المتخلفين عن الخدمة الإلزامية، وبالتالي زيادة التعبئة العسكرية لقواته خصوصاً مع رفع وتيرة انتشارها في بعض المناطق التي تسيطر عليها قوات سوريا الديمقراطية شمال سورية.
استثنى المرسوم مواداً كثيرة تتعلق بالرشاوي والفساد وسوء استخدام السلطة وتلك المتعلقة بتسريب البيانات أو إتلاف الوثائق في محاولة لردع تلك الجرائم التي ترتكب بكثرة في الأوقات الراهنة، أما فيما تبقى من مرسوم العفو فيحاول النظام محاباة البيئة الحاضنة له عبر تخفيف الاحتقان المجتمعي الموجود بالتزامن مع تردي الأوضاع الاقتصادية وأزمة حوامل الطاقة وضعف الرواتب الممنوحة وانهيار قيمة الليرة السورية إلى 6300 ليرة مقابل الدولار.
على الرغم مما ورد أعلاه فإن مرسوم العفو لا يشمل المنشقين بالمعنى التطبيقي إذ أن النظام لا يعتبر المنشقين فارين من الخدمة العسكرية فقط، بل يُجرمهم بناءً على مواد قانونية أخرى كالتعامل مع دولة أجنبية؛ محاولة تغيير نظام الحكم؛ إضعاف الشعور القومي، وغيرها من التهم التي يُلبسها لهم.
أسوة بغيره من مراسيم العفو، فإنه لا يزال يحد من عمله إشكاليات عدة، سواء لتلك التي تتعلق بعدم وجود مؤسسات مدنية أو منظمات انسانية تراقب تطبيقه أو إحصاء من يشملهم ومن يتم إطلاق سراحهم في ظل تعتيم على بيانات المُطلق سراحهم من قبل مؤسسات الدولة المعنية التي تكتفي بتعميم المرسوم لجهات تنفيذه الرسمية هذا من جهة، أو تلك المرتبطة بالخلل الدائم ما بين النص وآليات تطبيقه من جهة أخرى.
إضافة لذلك، ما زالت هذه المراسيم لا تشمل المدنيين والسياسيين المعارضين وبالأخص متهمي الرأي، وتبقى تحت سقف أي توجه سياسي في ظل عدم تقبل النظام للمعارضة السياسية له وعدم اعترافه بها أصلاً، وعليه يبدو أن المرسوم مرتبط بإجراءات داخلية فقط دون أن يكون له تبعات سياسية.
يضم هذا
الملحق المواد التي استثناها مرسوم العفو 24 لعام 2022 من قانون العقوبات العام ومن قانون العقوبات وأصول المحاكمات العسكرية.
([1] )"المرسوم التشريعي 24 لعام 2022"، مجلس الشعب، تاريخ النشر: 21 كانون الأول/ديسمبر 2022، رابط إلكتروني: https://bit.ly/3BUYZC5
([2]) يميز قانون العقوبات الجريمة في ثلاث توصيفات هي:
1-الجناية: وهي كل جريمة يعاقب عليها القانون بالإعدام أو السجن لأكثر 3 سنوات.
2-الجنحة: كل جريمة يعاقب عليها لقانون بالحبس ما بين 10 أيام إلى 3 سنوات أو غرامة فهي تعتبر جنحة.
3-المخالفة: كل جريمة يعاقب عليها القانون بالحبس ما بين 24 ساعة و10 أيام فهي مخالفة.
([3]) تتضمن المواد المذكورة، إفشاء معلومات المدمنين؛ استعمالها للمنفعة الشخصية أو الغير؛ حيازة ، إحراز، نقل أو استلام أو تسليم بشرط انتفاء اي قصد خاص كقصد الاتجار أو التعاطي أو الاستعمال؛ التعاطي في مكان مهيأ أو معد لذلك بشرط انتفاء الحيازة السابقة؛ الاستيراد أو التصدير أو التصنيع لمواد تخضع لشروط المواد المخدرة، للمزيد، "القانون 2 لعام 1993، قانون المخدرات"، مجلس الشعب، تاريخ النشر: 12 نيسان/أبريل 1993، رابط إلكتروني: https://bit.ly/3YL2LYw
([4]) "قانون العقوبات وأصول المحاكمات العسكرية"، مجلس الشعب، تاريخ النشر: 13 آذار/مارس 1950، رابط إلكتروني: https://bit.ly/3Lh0EUh
([5]) "المرسوم التشريعي 3 لعام 2022"، مجلس الشعب، تاريخ النشر: 12 كانون الثاني/يناير 2022، رابط إلكتروني: https://bit.ly/3HZc6pX
([6] )"قانون العقوبات العام 148 لعام 1949، المعدل بالمرسوم التشريعي 1 لعام 2011"، مجلس الشعب، تاريخ النشر: 15 كانون الثاني/يناير 2012، رابط إلكتروني: https://bit.ly/3nKv1JH
([7])نص المواد موجودة في الملحق.
([8]) محمد منير الفقير، محسن المصطفى: "مرسوم العفو رقم 7: رجاء التعويم بخطوات شكلية"، مركز عمران للدراسات الاستراتيجية، تاريخ النشر: 23 أيلول/سبتمبر 2022، رابط إلكتروني: https://bit.ly/3f7KEcZ
([9]) محسن المصطفى: "المؤسسة العسكرية في المواثيق الدستورية.. مضامين نحو المستقبل"، مركز عمران للدراسات، تاريخ النشر: 10 حزيران/يونيو 2022، رابط إلكتروني: https://bit.ly/3Sljmz8
([10]) "القانون 14 لعام 2015 قانون التجارة الداخلية وحماية المستهلك"، مجلس الشعب، تاريخ النشر: 26 تموز/يوليو 2015، رابط إلكتروني: https://bit.ly/3HUF8Hg
([11] ) "المرسوم التشريعي رقم 8 لعام 2021 المتضمن قانون حماية المستهلك"، وكالة الأنباء السورية "سانا"، تاريخ النشر: 12 نيسان/أبريل 2015، رابط إلكتروني: https://bit.ly/3GaQEgd
([12] ) "المرسوم التشريعي 40 لعام 2012 قانون إزالة مخالفات البناء"، مجلس الشعب، تاريخ النشر: 20 أيار/مايو 2012، رابط إلكتروني: https://bit.ly/3hO6TGv
([13] )"المرسوم التشريعي 35 لعام 2015 تحديد العقوبات على مستجري الكهرباء بصورة غير مشروعة"، مجلس الشعب، تاريخ النشر: 12 آب/أغسطس 2015، رابط إلكتروني: https://bit.ly/3jo6vyU
([14] )"القانون 10 لعام 1961 قانون مكافحة الدعارة"، مجلس الشعب، تاريخ النشر: 3 نيسان/أبريل 1961، رابط إلكتروني: https://bit.ly/3hFtXYf
([15] )"تنظيم القواعد القانونية الجزائية للجريمة المعلوماتية"، مجلس الشعب، تاريخ النشر: 18 نيسان/أبريل 2018، رابط إلكتروني: https://bit.ly/3WixLNV
([16] )"المرسوم التشريعي 68 لعام 1953 منع نقل البضائع من بلاد العدو"، مجلس الشعب، تاريخ النشر: 5 أيار/مايو 1953، رابط إلكتروني: https://bit.ly/3Gaqie6
([17]) "القانون 286 لعام 1956 منع التعامل مع إسرائيل"، مجلس الشعب، تاريخ النشر: 19 حزيران/يوليو 1956، رابط إلكتروني: https://bit.ly/3BQegEs