تأثير الحلفاء على تسلسل القيادة والأوامر في الجيش والقوّات المسلّحة السورية
وقعت الهيكلية العامة للجيش والقوّات المسلّحة السورية تحت تأثير حلفاء النظام السياسي الحاكم منذ عام 2011 بدرجات متفاوتة وعلى جميع المستويات.
تم نشر المادة الأصلية على موقع: توازن: مؤشر العلاقات العسكرية المدنية : https://bit.ly/3sjtuw8
أسوة ببقية الجيوش حول العالم يملك الجيش والقوّات المسلّحة السورية هيكلية عامة ذات تسلسل خاص بالقيادة والأوامر الصادرة من أعلى الهرم إلى أسفله، بالإضافة لخط التقارير الصاعدة نحو قمته. بطبيعة الحال ونتيجة للواقع الراهن، تأثرت المؤسسة العسكرية السورية كثيرًا بالأحداث الجارية منذ عام 2011. يعود ذلك لعاملين رئيسين هما: العمليات العسكرية المستمرة وما تبعها من خسائر بشرية ومادية؛ وعمليات إعادة الانتشار التي تم تنفيذها بشكل أفقي موسع في مختلف المناطق السورية بعيدًا عن أماكن انتشار الجيش والقوّات المسلّحة الأصلية.
يُضاف إلى ذلك وقوع المؤسسة العسكرية تحت تأثير حلفائها الذين تدخلوا لصالح النظام السياسي الحاكم، وبالتالي التأثير على الهيكلية العامة للجيش والقوّات المسلّحة بدرجات متفاوتة، وعلى جميع المستويات، مع تفوُق روسي على الإيرانيين. ففي حين استثمر الروس بالمؤسسة العسكرية الرسمية كان الايرانيون يستثمرون في هياكل خارجها قبل العودة لتضمين بعضها ضمن تلك المؤسسة. انعكس ذلك بشكل مباشر على تسلسل القيادة وتراتبية الأوامر العسكرية ضمن الشبكات الرسمية والشبكات غير الرسمية في الجيش والقوّات المسلّحة، عبر تأسيس روسيا لوحدات جديدة كالفيلقين الرابع والخامس وإعادة هيكلة وحدات أخرى كالفرقة الأولى، بالإضافة لدمج فصائل ومقاتلين من المعارضة السابقة ضمن الجيش، الأمر الذي ساهم في تقويض السيطرة المركزية للقيادة العامة للجيش والقوّات المسلّحة.
في معادلة الصراع السورية ما زال هناك ثابت وحيد لم يتغير وهو القائد العام للجيش والقوّات المسلّحة، الذي يشغله بشار الأسد بقوة القانون باعتباره رئيس الجمهورية. يمثل هذا المنصب نقطة الارتكاز وبداية تسلسل القيادة والأوامر، ويرتبط به بشكل مباشر كُلّ من وزير الدفاع، ورئيس مكتب الأمن الوطني ووزير الداخلية. كما أنه الوحيد القادر على القيام بعمليات التعيين والترقية لقادة ومدراء ورؤساء وكبار ضباط مختلف الأجهزة الأمنية، عبر مراسيم وقرارات تصدر عنه حصرًا.
تتم هذه التعيينات وفق مستويين. الأول روتيني بيروقراطي يتمثل في إصدار نشرات ترفيعات وتنقلات وتعيينات دورية وفق تسلسل القيادة والأوامر الرسمية، واستشارة مكتب الأمن الوطني وأجهزة المخابرات، كلٌ بحسب اختصاصه. أما المستوى الثاني، فيتم عبر إدارة توازنات العلاقة مع حلفاء النظام السياسي، وإجراء تعيينات تُراعي تلك التوازنات، وتتم وفق رغبة الحلفاء.
ضمن المستوى الثاني، خضع تسلسل القيادة والأوامر إلى توازنات مع الحلفاء بحسب ما تقتضيه الحاجة، كما حدث حين توقفت المعارك العسكرية على أطراف إدلب بعد الاتفاق الروسي التركي في آذار/مارس 2020، خلافًا لإرادة الجيش السوري وبناءًا على رغبة روسية. حدث ذلك أيضًا في إدارة ما يُسمى بعمليات التسوية التي تمت برعاية روسية في درعا جنوب البلاد، والتي نتج عنها تأسيس اللواء الثامن من فصائل المعارضة، وضمّه للفيلق الخامس، أو حتى تغيير قائد الفرقة 17 بناءً على طلب إيراني. نجم عن ذلك صعوبة في فرض سيطرة كاملة وتحكم فعلي في بعض الوحدات العسكرية من قبل القيادة العامة للجيش والقوّات المسلّحة.
امتد تأثير الحلفاء وبالأخص الروسي إلى منصب رئيس هيئة الأركان العامة، الذي ما زال شاغرًا منذ بداية عام 2018 في حالة لافتة للنظر لم يشهدها الجيش السوري منذ تأسيسه عام 1946. في العموم، تشرف هيئة الأركان العامة على جميع وحدات الجيش والقوّات المسلّحة القتالية وغير القتالية منها، وتتولى قيادتها. فأثار شغور منصب رئيس هيئة الأركان العامة عدة تساؤلات حول كيفية إدارة عمليات عسكرية في عموم البلاد ضمن ظروف الحرب. وتُشير مصادر بأن غرفة العمليات الروسية الموجودة في دمشق بمقر هيئة الأركان العامة تولت مهام رئيس هيئة الأركان المتعلقة بالعمليات العسكرية. ربما يكون نظراؤهم الإيرانيون قد تصرفوا على نحو مماثل في بعض الحالات أيضا.
بقدر ما يشير فراغ منصب رئيس هيئة الأركان العامة الحساس ضمن الظرف القائم إلى وجود خلل رئيس في تسلسل القيادة والأوامر بشكل يقوض الأداء الروتيني؛ إلا أنه وفي الوقت ذاته يدلل على أثر التدخل العسكري لحلفاء النظام السياسي الحاكم في ذلك التسلسل وعمق هذا التدخل. لقد كان لروسيا في هذا السياق التأثير الأوسع في عدد كبير من الوحدات العسكرية، ووصل الأمر إلى اختراق المستشارين العسكريين الروس لكافة الوحدات العسكرية بدءًا من الفرقة نزولًا حتى مستوى الكتيبة. أما إيران فاستثمرت في هيكليات عسكرية خارج المؤسسة العسكرية قبل أن تعيد حساباتها وتقوم بتأسيس ميليشيا الدفاع المحلي، والعمل على استصدار قرار رسمي من قيادة الجيش باعتبار أن عناصر الدفاع المحلي جزأً من الجيش وضمن هيكليتهم الخاصة التي تشرف عليها إيران بشكل مباشر. هذا بالإضافة لاحتفاظ إيران بعلاقات جيدة مع بعض قادة وضباط وحدات معينة نتيجة مصالح تجارية وغيرها مع هؤلاء القادة.
إذن، صحيح أنّ الأسد كـ "رئيس للجمهورية وقائد عام للجيش والقوّات المسلّحة" ما زال يتحكم رسمياً بتسلسل القيادة والأوامر، إلا أن ذلك لا يعني أن تسلسل القيادة والأوامر هذا لم أو لن يتم كسر مركزيته التقليدية - بداية بمنصب الأسد نفسه وحتى أصغر الكتائب. في الواقع، حدث هذا فعلاً. بشكل رئيس يسعى الأسد قدر الإمكان إلى التقليل من تأثير الحلفاء على المؤسسة العسكرية، وعلى الأقل، يحاول الإيحاء بمركزية التحكّم المُطلقة في تسلسل القيادة والأوامر– كما هو الحال قبل التدخل الروسي والإيراني – وذلك عبر القيام بتعيينات دورية لعدد من القادة العسكرية، وبالتالي تخفيف أثر الشبكات غير الرسمية التي يتم نسجها حول كل منصب. تُدعم هذه الشبكات من روسيا أو أيران أو يتم نسجها بين الضباط داخل وحدات الجيش والقوّات المسلّحة، أو بين الضباط والمجتمع المحلي. في حين يتمتع قادة أجهزة المخابرات باستقرار نسبي نوعًا ما في مناصبهم إذ يتم تمديد خدمتهم دوريًا لطبيعة الأعمال المُناطة بهم وصعوبة إيلاء تلك المناصب لأي من الضباط، في المقابل لا تزال عمليات الترقية والتعيين تتم على أساس غير مِهنيّ وغير احترافي، إذ تتحكّم بها الولاءات الطائفية التي تعدّ فوق كل اعتبار.
باختصار، يمكن تشبيه الوضع القائم بالنسبة لبشار الأسد بالمشي على الحبال. فهو بحاجة شديدة للتوازن قدر الإمكان حيث يُفرض عليه موازنة علاقات معقدة مع حلفائه ثم مرؤوسيه ضمن تسلسل القيادة، وهو ما حدث فعلًا بعد طلب الأسد من القيادة الإيرانية سحب قائد الحرس الثوري الإيراني في سورية اللواء جواد غفاري، نتيجة ضغوط تعرّض لها الأسد من بعض قادة قوّاته العسكريين، وذلك على خلفية التدخل الزائد من غفاري في خطط إعادة الانتشار العسكرية في مدينتي حلب ودمشق.
بالرغم من حاجته الماسة لموازنة هذه الضغوطات، بقي الأسد نقطة الارتكاز في تسلسل القيادة والأوامر داخل الجيش والقوّات المسلّحة السورية - كما هو الحال في تسلسل قيادة القوّات شبه العسكرية وقوّات الأمن. إذ يحتفظ الأسد بروابط متعددة في تسلسل القيادة وتقاطعاتها، مما يجعله مسؤولاً بصورة مباشرة عن الأعمال (بما فيها استخدام السلاح الكيماوي وغيره من الأسلحة المحظورة دوليًا) والعديد من انتهاكات حقوق الإنسان المرتكبة من قبل القوّات التي تخضع لسلطته بصفته رئيسًا للجمهورية والقائد العام للجيش والقوّات المسلّحة منذ عام 2011.