المفاضلة بين الميليشيات والجيش: مؤشرات تزايد الارتزاق

محسن المصطفى • ٦ أكتوبر ٢٠٢٢

 المفاضلة بين الميليشيات والجيش:
مؤشرات تزايد الارتزاق



تم نشر المادة الأصلية على موقع: مركز عمران للدراسات الاستراتيجية: https://bit.ly/3DiG3gy

PDF

فَشِلت الكليات العسكرية التابعة لجيش النظام في استقطاب الأعداد اللازمة لاستكمال النصاب العددي للراغبين بالتطوع كضباط في صفوف قواته ([1])، حيث أعلنت القيادة العامة للجيش والقوات المسلحة بتاريخ 14 أيلول/ سبتمبر 2022 عن تمديد فترة فحص القبول للراغبين بالانتساب إلى الكليات العسكرية التابعة لها للمرة الثانية بعد أن سبق لها تمديد تلك الفترة لنصف شهر بتاريخ 29 آب/أغسطس الماضي، علماً أن هذه التمديدات الحالية في عام 2022 ليست الأولى، بل سبقها قرارات تمديد أخرى خلال السنوات القليلة الماضية ([2]).

تبدأ القيادة العامة للجيش عادة بالإعلان والترويج للانتساب إلى صفوف الكليات والمعاهد العسكرية بعد صدور نتائج الشهادة الثانوية وتستمر حتى بداية أيلول/ سبتمبر من كل عام ([3])، ومن يتم قبوله من الشباب أو الشابات، يلتزم بالكلية الحربية لمدة ثلاث سنوات قبل أن يتخرج منها برتبة ملازم تحت الاختبار، بمقابل خمس سنوات لطلاب الأكاديمية العسكرية على أن يتخرج منها برتبة ملازم أول مهندس.

خلال سنوات الثورة الأولى بدأ النظام ومن أجل تغطية النقص العددي الحاصل في صفوف قواته بزج طلاب الكليات الحربية بالعمليات العسكرية القريبة من مناطق تلك الكليات، كما قلص مدّة التخرج من ثلاث سنوات إلى سنتين من أجل الحصول على ضباط برتب صغيرة وبوتيرة أسرع وبالتالي يُسهم الضباط المتخرجون حديثاً بسد النقص العددي وبالأخص في سلك صف الضباط باعتبار الأخير عمود أي جيش، كما زاد النظام من عدد الطلاب المقبولين في الكليات عموماً من 1000 – 1200 سنوياً إلى 3500 – 5000، قبل أن تعود مدة التخرج والأعداد في السنوات الأخيرة لحالتها الطبيعية مع زيادة نسبية في عدد المقبولين.

بالمقابل كانت حركات التطويع والانضمام نشطة وبكثرة في صفوف قوات الدفاع الوطني والميليشيات الأخرى التي تم تأسيسها منذ منتصف عام 2011، وهو ما شكل حالة تنافس خفية ما بين المؤسسة العسكرية الرسمية والميليشيات الأخرى التي تعمل على استقطاب الشباب لصفوفها، وغالباً كان كل من لا يجد طريقه للكليات العسكرية يتوجه نحو التطوع في الميليشيات العاملة في سورية بما فيها تلك التي أسستها إيران.

عادت عمليات التطويع سواء في المؤسسة العسكرية أو الميليشيات بالنفع على النظام إذ استطاع الاستفادة من الموارد البشرية المتوفرة لدى الطرفين وتعبئتها لصالح العمليات العسكرية، إلا أن الاستفادة الحقيقية كانت بعد التدخل الروسي نهاية أيلول/سبتمبر 2015، وقيام روسيا بإعادة هيكلة بدأتها بالمؤسسة العسكرية أولاً ثم انتقلت لهيكلة الميليشيات حيث حلّت بعضها كميليشيا درع القلمون وصقور الصحراء وضمت بعضها للمؤسسة العسكرية ككتائب البعث التي تحولت للفيلق الخامس([4])، والقسم الآخر تم دعمه ليغير ولاءه من إيران نحو روسيا كلواء القدس الفلسطيني وغيرها ([5])، وهو ما دفع إيران أخيراً للتخلي عن مشروع الدفاع الوطني واستبداله بالدفاع المحلي([6]).

بعد مرور السنوات وبالأخص تلك التي شهدت أعنف المعارك القتالية، اكتشف عدد كبير ممن تعرض لإصابات بليغة أدت به للعجز كما اكتشف ذوو من قُتل مع الميليشيات أن لا حقوق تقاعدية أو تعويض إصابة أو قتل لهم من قبل مؤسسات الدولة، حتى أولئك الذين قاتلوا مع الميليشيات تمت مطالبة من لم يؤد الخدمة الإلزامية أو الاحتياطية منهم بتأديتها([7])، وبالتالي فقد هؤلاء العديد من المزايا لصالح من تطوع ضمن المؤسسة العسكرية الرسمية، لاحقاً تم الالتفات إلى موضوع التعويضات واستطاع قسم من عناصر الميليشيات الاستفادة من التعويضات والحقوق الممنوحة، حيث أقر مجلس الوزراء تعويضاً شهرياً لمن أسماهم جرحى قوات الدفاع الشعبي([8]).

لاحقاً بعد انحسار العمليات العسكرية وتقلصها للحد الأدنى بالأخص بعد اتفاق آذار 2020 بين تركيا وروسيا، بدأت كتلة الموارد البشرية المتاحة للمؤسسة العسكرية بالارتفاع نتيجة دخول مناطق كثيرة ضمن نطاق المصالحات والتسوية أو نتيجة السيطرة العسكرية المباشرة على مناطق أخرى وهو ما أتاح للنظام التحاق عدد غير قليل بصفوف قواته، وبالتالي تم خلال السنتين الماضيتين إصدار عدة قرارات خاصة بالتسريح وإن لم تكن تنال رضى من خدم في صفوف قوات النظام لمدة 8 – 10 سنوات إلا أنها وضعت على الأقل حداً لمعاناتهم المستمرة([9])، بالمقابل انخفضت وتيرة الانضمام للميليشيات نتيجة انخفاض حدة المعارك ونتيجة الوضع القانوني غير المستقر للمنضمين لها.

إن المفاضلة الأساسية المتعلقة بالتطوع لصالح المؤسسة العسكرية أو لصالح الميليشيات تتمحور حول عدة دوافع أساسية تتضمن الراتب الذي يتقاضاه المتطوع والحقوق التقاعدية والبدل في حال مقتله، بالإضافة إلى مدى خطورة الوضع العسكري، وبالتالي تخضع عملية التطوع لهذه المفاضلة من أجل الوصول للقرار المناسب.

حالياً، ومع انخفاض حدّة المعارك بدأ عدد كبير من الشباب يفضل التوجه نحو التطوع في صفوف الميليشيات، حيث الرواتب أعلى والخطر أقل بالإضافة لوجود عدد أيام أقل للالتزام بها شهرياً في أماكن الخدمة مقارنة بالجيش، حيث تنتشر الدعوات المتعلقة بالتطوع في صفوف الميليشيات على وسائل التواصل الاجتماعي (فيسبوك) ضمن مجموعات مغلقة وهذه الدعوات ليست حصراً على الذكور دوماً، بل تتضمن بعضها قبول الإناث أيضاً، وعادة ما يكون شرط العمر ذا طيف واسع من 18 وحتى 55 عاماً.

تأتي هذه الدعوات بحزمة متكاملة تتضمن تسوية التخلف أو الفرار العسكري (يتم استثناء الفارين ببعض الدعوات) كما تتضمن عدد أيام الخدمة شهرياً والراتب بالإضافة لوضع الإطعام والإمداد اللوجستي، وتتضمن تلك الدعوات صراحة الاستفادة من الموارد المتاحة في مناطق الخدمة، كتعفيش الحديد الذي يتم انتزاعه من بيوت الأهالي الذين تم تهجيرهم أو من المواسم الزراعية كالزيتون أو الفستق الحلبي وحتى حطب الأشجار المتوفرة بالإضافة للإتاوة والخاوة التي يتم الحصول عليها على الحواجز العسكرية، كما أن الخروج من الالتزام مع الميليشيات أسهل كثيراً من أن يكون الالتزام بعقد مع الدولة وهي ميزة إضافية تُضاف للمفاضلة الواردة في الأعلى.

إن الدعوات المنتشرة للتطوع تُشير صراحة للجهة التي يتم التطوع بها كالأمن العسكري أو الفرقة 25، بمقابل دعوات لصالح ميليشيات أخرى، وبشكل عام تُشير قدرة دعوات التطوع ومن يقف وراءها على تسوية التخلف أو الفرار إلى قوة وارتباط الميليشيا بقيادة النظام، ولكن بأي حال لا يعتبر هذا التطوع رسمياً بشكل كامل، ويمكن وصفه بالتطوع الهجين.

تدفع الإغراءات الواردة بدعوات التطوع بالميليشيات إلى تفضيلها على المؤسسة العسكرية الرسمية، حيث يمكن المفاضلة على الشكل التالي ([10]):


تبدو هذه السياسة ضمن توجه النظام نحو عسكرة المجتمع السوري وتحويل العسكرة لمهنة رائجة ومنتشرة في صفوفه، ثم الاستفادة من هذ التحول نحو استخدام السوريين كمرتزقة داخلياً أو حتى خارجياً، إذ لم يعد خافياً التجارب السابقة لمشاركة السوريين كمرتزقة في الصراع الليبي إضافة لما يدور حديثاً حول مشاركة ومقتل عدد من أفراد الفرقة 25 مهام خاصة التابعة للجيش السوري على جبهة مدينة "خيرسون" الأوكرانية وهم يقاتلون بجانب القوات الروسية هناك، حيث تحدثت تقارير عن وجود ما يقارب 2000 مقاتل سوري في أوكرانيا، قامت روسيا بتجهيزهم وتدريبهم خصيصاً للمشاركة في غزوها لأوكرانيا([11]).

بجميع الأحوال لا يعني هذا أن هناك عزوفاً تاماً عن التطوع في المؤسسة العسكرية، حيث يفضل عدد من الشباب التطوع رسمياً من أجل الحصول على امتيازات عسكرية ومادية مستقبلاً، بحيث يمتلك الشاب شبكة غير رسمية ترعاه وتُسهم في قبوله ضمن صفوف إحدى الكليات العسكرية، ثم تُسهم لاحقاً في فرزه العسكري لمكان خدمة معين سواء في الأمن أو في وحدات عسكرية قيادية على أن يكون الولاء لا التعليم العسكري هو المعيار الأول من أجل الترقية في الرتب والمناصب، حيث لا ينظر هؤلاء المتطوعين للراتب على أنه دخلهم الوحيد شهرياً، ويمكن القول أيضاً أن التطوع كضابط بعد أن كان شبه محصور في طائفة معينة بات الآن أقرب لأن يكون محصوراً ضمن طبقة معينة تتمتع بالنفوذ والمال.

يُسهم النظام السوري بشكل مباشر بتحويل الشباب السوريين نحو الارتزاق العسكري وعرض بندقيتهم للإيجار حيث يفضل أغلب الشباب القاطنين في مناطق سيطرته التطوع في صفوف الميليشيات على حساب التطوع بالمؤسسة العسكرية الرسمية، حيث يُشير هذا إلى وجود خلل بنيوي وظيفي يُضاف إلى سلسة التدمير التي قام بتنفيذها النظام على مدار عقود، ويثبت يوماً بعد يوم فشل النظام في بناء مؤسسات فاعلة ووطنية، وغاية النظام هي العبور من عنق الزجاجة بأي تكلفة كانت على أن تُبقيه في سدّة الحكم بغض النظر عن أي نتائج أخرى.


([1]) "لم يسجل نصف العدد المطلوب.. النظام السوري يمدد فترة القبول في كلياته الحربية"، تلفزيون سوريا، تاريخ النشر: 28/9/2022، رابط إلكتروني: https://bit.ly/3CcFhRC

([2])"تمديد فحص القبول للراغبين بالانتساب إلى الكليات العسكرية"، وزارة الدفاع السورية، تاريخ النشر: 14/9/2022، رابط إلكتروني: https://bit.ly/3Ma3koV

([3]) "قبول دفعة جديدة من الشبان والشابات الراغبين بالانتساب إلى الكليات العسكرية"، وزارة الدفاع السورية، تاريخ النشر: 1/7/2022، رابط إلكتروني: https://bit.ly/3M7jteJ

([4]) عبدالله الغضوي، "روسيا تنهي مهمة إعادة هيكلة الجيش السوري.. بعد الفشل"، معهد الشرق الأوسط، تاريخ النشر: 20/7/2021، رابط إلكتروني: https://bit.ly/3RxbDfL

([5]) "لواء القدس الفلسطيني: من الدعم الإيراني إلى الروسي"، المدن، تاريخ النشر: 5/2/2019، رابط إلكتروني: https://bit.ly/2IWWrdB

([6]) Navvar saban, “Factbox: Iranian influence and presence in Syria”, Atlantic Council, Publish Date: November 5, 2020, Link: https://bit.ly/3MfnmhR

([7])نصر إبراهيم، "القوات الرديفة من الفقر إلى القبر.. كيف عبث النظام بمصير الآلاف؟"، وكالة نورث بريس، تاريخ النشر: 6/1/2022، رابط إلكتروني: https://bit.ly/3UXvzvb

([8]) "زيادة بقيمة 20 ألف ليرة على التعويض الشهري لجرحى قوات الدفاع الشعبي"، رئاسة مجلس الوزراء، تاريخ النشر: 28/12/2021، رابط إلكتروني:  https://bit.ly/3fK32ZE

([9])"الأسد يصدر أمراً إدارياً بإنهاء الاحتفاظ والاستدعاء للخدمة العسكرية لبعض فئات الجيش السوري"، روسيا اليوم، تاريخ النشر: 27/8/2022، رابط إلكتروني: https://bit.ly/3EiYmEA

([10])رصد الباحث.

([11]) "رصد أول مجموعة سورية تُقتل في أوكرانيا"، صحيفة ليفانت نيوز، تاريخ النشر: 5/10/2022، رابط إلكتروني: https://bit.ly/3C7r7Bf

بواسطة Muhsen ALMustafa 05 Nov, 2024
Bashar al-Assad issued Legislative Decree No. 27 of 2024, as part of an ongoing series of “amnesty” decrees since 2011. Although promoted by the regime as a positive step, this amnesty excludes political detainees
بواسطة Muhsen ALMustafa 30 Oct, 2024
أصدر بشار الأسد المرسوم التشريعي رقم 27 لعام 2024، ضمن سلسلة مراسيم "عفو" مستمرة منذ 2011. ورغم الترويج له من قبل النظام كخطوة إيجابية، إلا أنه يستثني المعتقلين السياسيين والمطلوبين للأجهزة الأمنية، ما يحد من فعاليته ويؤكد استخدام النظام لهذه المراسيم كأدوات سياسية.
بواسطة Muhsen ALMustafa 17 Oct, 2024
Mohammad Ghazi Al-Jalali has been tasked with forming a new government in Syria following the 2024 parliamentary elections. The changes in the government’s composition are minor, with an increase in the share of the Baath Party at the expense of other political parties. Despite these adjustments, the influence of the security apparatus continues to dominate the government formation process, and the Syrian regime remains the primary actor responsible for the ongoing crises.
بواسطة Muhsen ALMustafa 14 Oct, 2024
منع نظام الأسد خلال الفترة ما بين عامي 2010 و2023 نشر /140/ تشريعاً، /110/ منها صدرت بمراسيم تشريعية، و/30/ صدرت بقوانين، واستند على المادة 3 من قانون النشر 5 لعام 2004
بواسطة Muhsen ALMustafa 07 Oct, 2024
زيادة حصة البعث وتغيير طفيف في التركيبة الدينية.. ما الجديد في حكومة الجلالي؟
بواسطة Muhsen ALMustafa 23 Aug, 2024
According to Article 64 of the 2012 constitution, Bashar al-Assad could have convened the new People's Assembly on any day.
مزيد من المنشورات
Share by: