تعديل مواد الحصانة في "مجلس الشعب".. رسائل للمجتمع والأعضاء الجدد
في شهر أيار 2024، تم تعديل النظام الداخلي لمجلس الشعب، وعلى الفور تم تقديم طلبات لرفع الحصانة عن 9 أعضاء.
لقد أراد نظام الأسد تسريع الإجراءات الخاصة بقبول أو رفض طلب إذن رفع الحصانة، مع التأكّد على عدم كيدية الادعاء، بالإضافة إلى تسليط القضاء_العسكري على رقاب أعضاء المجلس عبر منح وزير الدفاع حق تقديم الطلب.
تم نشر المادة الأصلية على موقع: تلفزيون سوريا: https://bit.ly/4d1MvJk
أقرَّ "مجلس الشعب" التابع للنظام السوري في أيار 2024، تعديلات على نظامه الداخلي الصادر في العام 2017، حيث عدّل المجلس المواد (228-229-232) المتعلقة بالحصانة البرلمانية للأعضاء والواردة في الباب الثامن من النظام الداخلي، وأصدرها لاحقاً بالقرار 116 لعام 2024، المنشور في العدد 20 من الجريدة الرسمية، لتعتبر نافذة من تاريخه.
بشكل عام، وسّع "مجلس الشعب" نصوص المواد المتعلّقة برفع الحصانة، كما حدّد المدة الزمنية اللازمة لكل مرحلة من مراحل رفعها، لتكون أكثر وضوحاً من المواد السابقة، على أن يبتّ المجلس بطلب الإذن برفع الحصانة عن العضو خلال شهرين من تاريخ وصوله إلى ديوان المجلس، تحت طائلة اعتباره مقبولاً حكماً.
ومن شأن هذا التعديل أن يسرّع كامل عملية رفع الحصانة، ويضمن عدم بقائها لمدة طويلة في التداول، أمّا المدة اللازمة لمعالجة الطلب في كل مرحلة فقد تم تحديدها بألا تتجاوز عشرة أيام. إضافة إلى ذلك، سمح تعديل "المادة 228" لوزير الدفاع بالتقدم بطلب إذن رفع الحصانة عن العضو إذا كان الادّعاء على العضو أمام القضاء العسكري، في حين أنّ المادة السابقة كانت تحصر تقديم الطلب بوزير العدل فقط، والمحاكمة تكون أمام المحاكم المدنية.
وبالتالي فإنّ كل عضو تُرفع الحصانة عنه ويكون الادّعاء عليه من قبل القضاء العسكري، سيُحال إلى المحاكم العسكرية لا إلى المحاكم المدنية، علماً أن النظام السوري أصدر في نهاية العام 2023، القانون (23) القاضي بتعديل المادة (50) من قانون العقوبات وأصول المحاكمات العسكرية، والذي قضى بمحاكمة المدنيين الذين تشملهم هذه المادة أمام القضاء الجزائي العادي بدلاً من القضاء العسكري، إلا إذا كانت الجريمة ناشئة عن الوظيفة.
أيضاً وسّع التعديل "الفقرة 4 من المادة 228" وفرض عدداً من المعايير على "لجنة الشؤون الدستورية والتشريعية" المسؤولة عن إعداد التقرير، الذي يتم على أساسه قبول طلب إذن رفع الحصانة أو رفضه من قبل "مجلس الشعب" أو من مكتب المجلس -بحسب حالة انعقاد المجلس- وأهم هذه المعايير، التأكّد من عدم كيدية الطلب وعدم ارتباط الأفعال المنسوبة للعضو بممارسة مهامه ومسؤولياته في المجلس وعدم تعرّض اللجنة لتوافر الأدلة من عدمها، على أن يكون رأيها واضحاً باقتراح الموافقة على الطلب أو رفضه.
كذلك أكّدت "الفقرة 6" على عدم التطرق إلى موضوع توافر الأدلة أو عدم توافرها، وذلك عند دراسة المجلس أو مكتبه طلب رفع الحصانة، معتبرةً أنّ ذلك منوط بالسلطة القضائية، أما "المادة 229" فقد توسّعت لتشمل كل الإجراءات الجزائية التي تستلزمها الملاحقة بما فيها الاستجواب والتفتيش والتوقيف وتنفيذ الحكم حين صدوره.
و"المادة 232 المتعلقة بحق المتضررين وأصحاب الحقوق الشخصية بمقاضاة العضو أمام المحاكم المدنية من دون إذن المجلس وتنفيذ الأحكام التي تصدر بهذا الشأن"، أضاف عليها المجلس فقرة جديدة كلياً، وحدّد فيها أنّ "طلب سماع أقوال العضو إلى رئيس مجلس الشعب يتم من قبل رئيس الهيئة المركزية للرقابة والتفتيش، وذلك عن أي تحقيق في أي ملف تفتيشي متعلق بالعضو، سواء أكان مشكواً منه أو شاهداً، وذلك خلال عشرة أيام، وفي حال إحالة الملف إلى القضاء فسيتم اتباع الإجراءات المنصوص عليها في المادة 228، أي العودة إلى خطوات رفع الحصانة المعتادة ليتم البت فيها خلال شهرين بأقصى حد".
جاءت هذه التعديلات بعد منح الإذن في الملاحقة القضائية بحق عضو مجلس الشعب والقيادي السابق في "ميليشيا قوات النمر"، فؤاد علداني، بالقضية الجمركية رقم 1064 والمتعلقة بمخالفة التصدير تهريباً لمادة المازوت، حيث استغرقت عملية منح الإذن أكثر من ثلاثة أشهر بعد رفع الطلب من قبل وزير العدل بتاريخ 17 كانون الثاني 2024.
وتسبّبت هذه القضية نتيجة عدم التصويت على رفع حصانة "علداني"، بفرض عقوبة تخفيض مستوى العضوية العاملة في "حزب البعث" لعدد من أعضاء "مجلس الشعب" من الحزبيين، بالإضافة إلى شطب أسماء المرشحين منهم من جدول الاستئناس الحزبي. وجاءت العقوبة بحجة عدم القدرة على رفع مستوى وعيهم العقائدي والتنظيمي والسياسي، وبالتالي منعهم من الترشح لعضوية "مجلس الشعب" في الانتخابات التي جرت بتاريخ 15 تموز 2024، علماً أنّ من ضمنهم عدد من أعضاء اللجنة المركزية لـ"حزب البعث" كنضال مهنا وغيره.
لاحقاً وبعد إقرار هذه التعديلات ودخولها النفاذ بتاريخ إقرارها على الفور، قدّم كل من وزير العدل ووزير الدفاع 9 طلبات إذن رفع الحصانة عن أعضاء في "مجلس الشعب"، حيث وافق المجلس -في جلسته قبل الأخيرة بتاريخ 26 حزيران 2024- بالأكثرية على 7 طلبات لمنح الإذن بالملاحقة القضائية بحق الأعضاء المطلوب رفع الحصانة عنهم ولم يوافق على طلبين اثنين.
ولم يُعلن "مجلس الشعب" أو وسائل إعلام النظام عن أسماء الأعضاء الذين رُفعت الحصانة عنهم، أو عدد من سيمثل أمام المحاكم العسكرية أو المدنية، كما لم تُعلن الأسباب الموجبة لقرار رفع الحصانة، إلا أن عدة مصادر محلية أفادت بأنّ التهم الموجهة للأعضاء السبعة تتعلق بـ"الفساد وهدر المال العام".
من الناحية التقنية، أراد النظام السوري تسريع الإجراءات الخاصة بقبول أو رفض طلب إذن رفع الحصانة، مع التأكّد على عدم كيدية الادعاء، بالإضافة إلى تسليط القضاء العسكري على رقاب أعضاء "مجلس الشعب" عبر منح وزير الدفاع حق تقديم الطلب، وكذلك مطالبة "لجنة الشؤون التشريعية والدستورية" والمجلس عموماً بحسب إجراءات كل مرحلة من مراحل رفع الحصانة، بعدم الخوض في توافر الأدلة من عدمها على أن يُترك ذلك للسلطة القضائية.
أما من الناحية الأخرى، فإنّ منح الإذن بالملاحقة القضائية لسبعة أعضاء من "مجلس الشعب" على الرغم من انتهاء ولايته وبالتالي سقوط الحصانة البرلمانية عن أعضائه، يُقدّم النظام رسالة واضحة بأنّه يحارب الفساد، وأنّه حتى أعضاء "مجلس الشعب" لديه والذين يملكون حصانة برلمانية خاضعين للمساءلة، وبأن "القانون فوق الجميع"، وبالتالي محاولة تحسين صورة النظام عبر الإيحاء بوجود قوة للقانون وبأن هناك دولة مؤسسات.
كذلك، ينطوي منح الإذن أيضاً على رسالة إلى الأعضاء الجدد -الذين وصلوا إلى "مجلس الشعب" خلال الانتخابات الأخيرة- بأنّهم تحت مراقبة النظام، ويمكن ملاحقتهم قضائياً، كما أنّ الحصانة البرلمانية التي يُفترض أن يتمتعوا بها هي تحت سقف إرادة النظام.
وهذا يساعد النظام السوري في الحفاظ على سيطرته على أعضاء "مجلس الشعب" ويعزّز من ولائهم له، خصوصاً أن انتخابات "مجلس الشعب" الأخيرة لم تحمل كثيرا من التغييرات، حيث وصل عدد من قادة الميليشيات والعسكريين السابقين، بالإضافة إلى عددٍ من رجال الأعمال المحسوبين على النظام.