رؤية آل الأسد لسورية كمُلكية “دائمة”
تم نشر المادة الأصلية باللغة العربية على موقع: السورية نت: https://bit.ly/3qRxtDm
لا أولوية لدى نظام الأسد إلا التركيز على سياسة تضمن استمراره بالحكم بغض النظر عن أي أثمان يمكن دفعها في صالح ذلك، إضافة لهذا فإن أي استحقاق من أي نوع سواء أكان مجتمعياً، سياسياً، أو اقتصادياً، فإنه يسقط أمام سياسة الاستمرار بالحكم، وهو ما يفسر سياساته غير المنطقية في عدد كبير من الملفات.
ببساطة، الحكم أولاً وأخيراً، وليأتي الباقي كما يأتي، حيث يشكل تعنت بشار الأسد في استمراره بالحكم مانعاً صاداً لإرساء السلم الأهلي وإعادة إعمار البلاد ورفع سويتها، ومجرد وجوده في سُدّة الرئاسة يُشكل حجر عثرة أمام أي حل أو مساعدة بما فيها تلك العربية.
على ضوء تلك السياسة، حمل لقاء بشار الأسد مع قناة “سكاي نيوز عربية” عدة أفكار ومغالطات حول ما حدث في سورية خلال السنوات الماضية، أحد أهم تلك الأفكار فكرة مرتبطة بالماضي والمستقبل معاً، أتت ضمن السؤال الرابع والعشرين، حين سأله المذيع حول تسلمه الحكم بعد والده وعن إمكانية وجود دور سياسي لحافظ بشار الأسد في المستقبل، ليجيبه بشار نافياً أن يكون هناك أي دور لوالده حافظ بأن يكون رئيساً لسورية، وبأنه لم يؤَمن أي منصب مدني أو عسكري له، وإنما وصل للرئاسة هو للرئاسة عبر الحزب.
واستطرد حول موضوع ولده حافظ بأن علاقتهما عائلة، وبالتالي لا تتم مناقشة القضايا السياسية، كما أنه لا يفضل ولا يرغب بمناقشة هذه التفاصيل مع حافظ لا الآن ولا لاحقاً، مؤكداً أن العمل العام يعود إلى القبول الوطني لأي شخص وما إذا كانت لديه رغبة به.
في الواقع، يمني بشار الأسد ومن خلفه زوجته أسماء ورجالات الحكم في النظام أنفسهم بتوريث الحكم لحافظ “جونيور”، خلافاً لما تحدث به بشار، حيث يراهن الأخير على أنه انتصر فعلياً في الحرب على الأقل، في المستوى العسكري والضبط الأمني، وبأنه بحاجة للوقت حتى يجبر عدداً من الدول الأجنبية الرافضة له على الجلوس والتعامل معه من جديد.
يملك النظام السوري تجارب فريدة من الخصومة والقطيعة مع الدول الإقليمية والعربية ثم التصالح معها لاحقاً، وعلى هذا الأساس يحاول تطبيق استراتيجيته القديمة بالتعامل مع ما يواجهه حالياً، وبالتالي التمهيد رويداً رويداً لتقليل المشاكل حتى تصفيرها ربما، وذلك ريثما يتم تحضير حافظ لوراثة والده.
لا يخفى على أحد محاولات تصدير حافظ الصغير منذ عدة سنوات، حيث تم الدفع به للمشاركة بماراثونات علمية دولية، بغض النظر عن النتائج التي حصل عليها، إلا أن الهدف الأساسي من المشاركة اعتباره من النخبة على المستوى الوطني وهو المطلوب تماماً، وذلك بعد تصدير نجاحه في شهادة التعليم الإعدادي التي سمحت له بالتقدم للمركز الوطني للمتميزين، ولاحقاً تفوقه بشهادة التعليم الثانوي بعام 2018.
اللافت هذا العام؛ كان حصول حافظ على شهادة الماجستير من جامعة موسكو الحكومية لومونوسوف МГУ باختصاص الرياضيات البحتة (Pure Mathematics) تحت إشراف البروفيسور فلاديمير تشوباريكوف أولاً على الدفعة وبمعدل تام مع مرتبة الشرف، حاصلاً على “الشهادة الحمراء”، وذلك بعد خمس سنوات فقط من حصوله على الشهادة الثانوية، وتم تبرير ذلك بأنه “قام بتسريع دراسته لينجز مقررات السنتين الأخيرتين بشكل متزامن وهو أمر تتيحه الجامعة “للمتميزين”.
بحسب ما صرح به بشار في مقابلته الأخيرة، أنه وصل للسلطة عبر الحزب وأن والده لم يهيئ له أي منصب مدني أو عسكري، متناسياً ترقيته عسكرياً من قبل عبد الحليم خدام يوم وفاة والده بتاريخ 10 حزيران/يونيو 2000 لرتبة فريق متجاوزاً ثلاثة رتب متتالية (عميد – لواء – عماد)، ثم تعيينه بمرسوم آخر كقائد للجيش والقوات المسلحة، ليتم لاحقاً تعيينه بمنصب الأمين العام القطري لحزب البعث.
على ضوء التجربة السابقة، سيكون الطريق مفتوحاً أمام حافظ “الصغير” للارتقاء صعوداً في سلك المؤسسة العسكرية وداخل حزب البعث. حيث يتيح قانون الخدمة العسكرية في المادة 25 منه قبول تعيين الجامعيين كضباط برتبة أعلى من رتبة ملازم أول، وذلك بالنسبة لذوي المؤهلات الخاصة التي لا تتوافر في “القوات المسلحة”، أي أن حافظ سيتمكن من الحصول على رتبة نقيب على الأقل بشكل مباشر، ويملك والده قوة القانون لمنحه الرتب بسرعة دون التقيد بمدة الخدمة الصغرى للترقية في كل رتبة والواردة في المادة 55 من القانون السابق.
أما على الصعيد الحزبي والارتقاء في سلم حزب البعث، فهو أبسط بكثير من الارتقاء في المؤسسة العسكرية، إذ لا وجود لعوائق قانونية يمكن استثنائها في الحزب، وستتكفل المؤسسة العسكرية عبر فروع حزب البعث المنتشرة بداخلها برفع أسهم حافظ في الحزب، علماً أن الارتقاء في الحزب تحصيل حاصل للارتقاء في المؤسسة العسكرية.
ستتيح السنوات القادمة لحافظ وفق أمنيات بشار ومحيطه، تأسيس شبكته الخاصة داخل المؤسسة العسكرية والأمنية، تماماً كما تمت تهيئة والده لذلك وعمه باسل من قبل، إذ يتبوأ أصدقاء لبشار وباسل عدداً من المناصب القيادية في الجيش والأمن، فعلى سبيل المثال من القادة المقربين من العائلة والذين يقودون مناصب قيادية في الجيش والأمن؛ هناك كفاح ملحم رئيس شعبة المخابرات العسكرية، واللواء رمضان رمضان نائب رئيس هيئة الأركان العامة، وكذلك اللواء أوس أصلان؛ واللواء غيث ديب وغيرهم الكثير بما فيهم اللواء ماهر الأسد.
هذه الشبكة الخاصة التي سيشكلها حافظ ستتولى لاحقاً تبوء المناصب القيادية في سلسلة القيادة والأوامر في الجيش والقوات المسلحة وستتوزع على أماكن مفصلية في المؤسسة الأهم التي يعتمد عليها النظام في الحُكم، وذلك بشكل مشابه للاستراتيجية المعتمدة سابقاً سواء من والده أو جده من قبلهم.
أسوة بالشبكات الرسمية على المستوى المؤسساتي، يجري التحضير على قدم وساق منذ عدة سنوات لتأسيس شبكات اقتصادية جديدة بدل تلك القديمة، حيث تقود أسماء الأسد هذه العملية برمتها، وبمساعدة من مجلس خاص مؤلف من عدد من المستشارين، يملك بعضهم مناصب حساسة في الدولة ولديهم النفوذ اللازم والكافي للتدخل في أي قضية تواجههم.
تقوم أسماء الأسد بنقل المال لشبكات جديدة قريبة من السلطة والإعداد لمرحلة انتقال السلطة بعد 10 سنوات أو 15 سنة والأساس في هذا المشروع هو اصطناع نخبة تدين بالولاء الشخصي لابنها حافظ ولها، والهدف من ذلك هو إحلال شبكات جديدة تدين بالولاء محل الشبكات القديمة التي لا تدين لهم بالولاء ولا بالعرفان، لأنهم لم يصنعوا هذه الشبكات القديمة وبالتالي لا يثقون في ولائها فهذا المخطط عبارة عن مشروع طويل الأمد لا يتم بين يوم وليلة فهي خطة استراتيجية وليست تكتيكية.
إضافة للهدف السابق، فإن هناك سبباً عملياً آخر وهو أن الشبكات والوجوه القديمة مثل رامي مخلوف وغيره مكشوفة ومشمولة بالعقوبات الغربية، مما دعا النظام لإنشاء شبكات جديدة غير مرتبطة بالقديمة فرامي مخلوف ودائرته المقربة تحت نظر وزارة الخزانة الأمريكية منذ سنوات طويلة وكان لا بد من إزاحته من المشهد الاقتصادي للبلاد.
أثبتت السنوات الماضية وجود زواج مصلحي ما بين السلطة والمال، يقوي كل طرف منهما الآخر، على أن تكون السلطة هي الطرف الأقوى دائماً، كما حدث في إزاحة رامي مخلوف أو غيره من المشهد الاقتصادي، شريطة أن يكون المال في خدمة السلطة أيضاً، وبالأخص في الأوقات الحرجة لنظام قمعي كما هو الحال مع نظام الأسد، حيث ستكون الشبكات الجديدة التي يتم تأسيسيها ضرورية لاستمرارية النظام، وتلعب دوراً محورياً في التوريث في حال حصوله وبقاء النظام.
بحسب المادة 88 من دستور عام 2012، يحكم بشار الأسد في ولايته الثانية و”الأخيرة”، وهو بحاجة لتعديل الدستور في حال أراد الاستمرار في الحكم لسبع سنوات أخرى، بطبيعة الحال، يعتبر تعديل الدستور أحد أبسط الأمور لدى النظام، فما زال مشهد تعديله عام 2000 بخمس دقائق ماثلاً في الأذهان، وهو السيناريو المرجح حصوله – في حال استمرار الحال كما هو عليه الآن – وبالتالي سيحكم بشار الأسد حتى 2035 (وسيكون عمره 70 عاماً)، وحتى ذلك الوقت سيكون حافظ الصغير قد بلغ من العمر 34 عاماً، ليكون بذات العمر الذي ورث فيه لبشار الأسد الحكم عن أبيه.
من جهة مختلفة تماماً، ستجد الطائفة العلوية في وجود حافظ الأسد في الحكم استمراراً لوجودها في السلطة، رغم أنه لا يمكن الحكم على حافظ بأنه علوي بناءً على طائفة والده أو بأنه سني من جهة والدته، ولكنه ابن السلطة تماماً، وهي سلطة تكاد تكون علوية بالكامل، وبالتالي فإن الطائفة لا ترى أي تهديد من جهة والدته أو مذهبها، وستعمل الطائفة بكل جهدها على تثبيت حافظ في ركائز الحكم، وليس من المستبعد أن تفديه بالدم والخراب كما فعلت سابقاً مع والده وجده.
يُهدد النظام السوري عبر استمراره في الحكم وحدة سورية كدولة واحدة، إذ تملك عدة دول قوات عسكرية داخل حدود البلاد، وما زالت مساحات شاسعة خارج حكم النظام، بالإضافة لتململ حواضن داخل المجتمع المحكوم من قبل النظام ذاته، حيث بدأت البلاد تشهد تصاعد حركات الاحتجاج الناقمة على النظام بسبب الوضع الاقتصادي المتردي، إضافة لحملها مطالب سياسية أيضاً، لكن النظام كعادته، لا يهمه سوى الاستمرار بالحكم ولا شيء غير ذلك.
يبقى الشعب السوري هو الغائب عن هذه المعادلة، وقد تم تغييبه تماماً عن المشهد السياسي والاقتصادي، ولا يملك اليوم حول ولا قوة، فقد سبق للنظام أن قتل مليون سوري وشرد الملايين، بينما تحول النظام نفسه إلى ما يشبه السرطان الذي تغلغل في الدولة ومؤسساتها، حتى بات هو الدولة والدولة هو، ورغم ذلك تُمد له أطواق النجاة من القريب والغريب.
ورغم أن النظام الآن ليس بأفضل أحواله ويعيش أزمة كبيرة مع تصاعد الاحتجاجات ضده، وارتفاع بعض الأصوات من داخل حاضنته الصلبة، إلا أن الثورة ضده أيضاُ ليست بأفضل أوقاتها، نظراً لإقبال بعض الدول العربية على التقارب من النظام بالرغم من صعوبة مراحلها.
ويبقى التعويل على الاستمرارية أو حدوث متغيرٍ ما، لا يمكن توقعه، دون أن يعني ذلك انتهاء دورة الصراع، فهي مهيئة للعودة إن طال الزمن أو قصر.