عقيدة الجيش السوري: تحولات اختزال الوطن بالحزب ثم القائد

محسن المصطفى • مايو ٣٠, ٢٠٢٠

عقيدة الجيش السوري: تحولات اختزال الوطن بالحزب ثم القائد


تم نشر المادة الأصلية على موقع: السورية نت: https://bit.ly/3nqtsRW

PDF

تعتبر العقيدة العسكرية جزء أساسي في عملية بناء أي جيش واستثماره، كما تعتبر إحدى محفزات العسكريين، للاستمرار في عسكريتهم والخدمة بها على أكمل وجه، وعلى هذا الأساس تستثمر القيادات العسكرية حول العالم في هذه المفاهيم، من أجل ترسيخ الأفكار التي تراها مناسبة في عقول وضمائر العسكريين، وذلك لضمان تنفيذ المهام والأوامر دون أدنى تشكيك ودونما أي تردد، وكبقية جيوش العالم ومن المنظور الخاص بهذه الزاوية، حاولت القيادة السياسية/ العسكرية في سورية تأسيس عقيدة خاصة بالجيش السوري، إلا أن هذه العقيدة تغيّرت عدّة مرات قبل أن تصل لما هي عليه اليوم.


بشكل عام، فإن معنى كلمة “عقيدة”، يدل على ما عقد عليه القلب والضمير، كمبدأ، ويرتبط المعنى بالروحانيات والايمان الراسخ بقضية ما، أما “العقيدة العسكرية” فهي مجموعة من القيم والمبادئ الفكرية التي تهدف إلى إرساء نظريات العلم العسكري وعلوم فن الحرب، لتحدد بناء واستخدامات القوات المسلحة في زمن السلم والحرب بما يحقق الأهداف والمصالح الوطنية، وتختلف توظيفات هذه العقيدة بحسب الحاجة التي تفرضها محددات الأمن القومي، أو شكل الحكم القائم أو طبيعة المجتمعات الموجودة في الدولة.


في سورية، طرأ على مفهوم العقيدة في الجيش السوري عدّة تغيرات أهمها: تحوله من مفهوم الجيش الوطني إلى مفهوم الجيش العقائدي، وذلك بعد استيلاء حزب البعث على الحكم بتاريخ 8 آذار/ مارس 1963، حيث تم ربط الجيش السوري بعقيدة حزب البعث وأفكاره، كما تمت مصادرة إرادة الجيش لصالح الحزب طبقاً لما حصل مع الدولة نفسها، وسبق لحافظ الأسد القول: “إن جيشنا ليس جيشاً حزبياً ولا حزباً سياسياً، وإنما هو جيشٌ عقائدي مؤمن بعقيدة حزب البعث العربي الاشتراكي ويعمل على ما تخططه القيادة المسلحة من أجل مصلحة الشعب”.


أما التغير الثاني والذي يمكن القول بأنه انحراف عن المسار السابق، هو تغلغل فكرة القائد وتقديسه، والذي بدء بعد استيلاء حافظ الأسد على الحكم في سورية بعد انقلابه على رفاقه الحزبيين في 16 تشرين الثاني/ نوفمبر 1970، حيث استمر هذا التقديس بعد مماته وتوريث الحكم لبشار الأسد عام 2000.


بما يتعلق بحافظ الأسد، لا يمكن القول بأن الرجل لم يبذل جهوداً لسنوات، في سبيل استيلاءه على حكم سورية، والذي تم له لمدة 30 عاماً، ولاحقاً تمهيده توريث السُلطة لأحد أبناءه بشكل مماثل لما هو قائم في الدول الملكية في بلد يعمل بالنظام الجمهوري، إلا أن هذا التقديس حصل ويحصل عليه بشار الأسد، بالرغم من أنه مجرد وريث للسلطة فقط.


يملك الجيش السوري على المستوى العقائدي منظومة متكاملة من المفاهيم والكلمات المختلطة، بما هو حزبي “بعثي”، ومفاهيم اجتماعية تحمل في طياتها عدة طبقات مختلفة، يمتد بعضها حتى للاقتباس من الكتب المقدسة، وتغلفُ تلك المفاهيم بصمة بصرية واضحة (صور – رسومات – شعارات مكتوبة) تُسيطر على المشهد، وتشكل بمجموعها أساس العقيدة العسكرية (الجانب غير التقني) حيث يمكن استنتاج هذه العقيدة بالكلمات الموجودة على مداخل الثكنات العسكرية وجدرانها وقاعاتها ومكاتبها ومحارسها، كما تُسطر كلمات القائد وكلمات تقديسه بالإضافة لمفاهيم البعث في كل حيز يمكن استغلاله في سبيل ذلك، حتى الشعارات الصوتية الحماسية التي يتم ترديدها، فهي موجهة لشخص هذا القائد، وحتى إن تغير أو مات فالكلمات والرسوم والشعارات جاهزة من أجل خدمة القائد الجديد، وهو ما حدث ما بين حافظ وبشار الأسد، “بالروح بالدم نفديك يا……” على سبيل المثال.


لا يتوقف الأمر عند هذا الحد، فمن خدم في صفوف الجيش قبل عام 2011، يعلم جيداً كمية العبارات التي تقدس وتمجد القائد وتردد العبارات التي دأب ضباط التوجيه السياسي المنتشرون في الوحدات العسكرية على إلقاءها على مسامع الجنود، لا بل تتحول تلك العبارات لنظام معين مع النظام المنظم (المنضم) تملئ حناجر الجنود، وبالأخص الأغرار منهم والأمثلة كثيرة على ذلك، “لعيونك يا بو سليمان بدنا نحرر الجولان”؛ “موزوناً أمة عيد، أمة؛ عربية؛ واحدة؛ ذات رسالة خالدة؛ أو “الدورة نزلت عالساحة…تحيي أسد القرداحة”، “الجيش العربي السوري ، وحوش، وحوش، وحوش”؛ “موزوناً بشار عيد، بشار؛ بشار؛ عربية ؛ واحدة: وعلى ذات النهج يتم أحياناً استبدال “بشار” بـ “باسل” بالرغم من وفاته في عام 1994، وكأنما الأمة تختزل بشخص “القائد”، حتى أن الفرقة الرابعة لها عباراتها الخاصة والتي تمجد اللواء ماهر الأسد، حتى قبل أن يتم تعيينه قائداً للفرقة بشكل رسمي.


في المقابل هناك كم كبير من العبارات المُهينة التي يتلقاها الجنود من مرؤوسيهم أو حتى ممن هم أقدم منهم من الجنود، وهذه العبارات يطال بعضها الذات الإلهية ولا مشكلة في ذلك لديهم، طالما أنها لا تطال مقام القائد، بالإضافة لمحاولة الكثيرين تقليد لهجة أهل الساحل كونها اللهجة المتعارف عليها للعلويين، في محاولة منهم لإضفاء القليل من “الواسطة” لأنفسهم والإيحاء بأنهم من أبناء البيئة الموالية.


بالطبع بعد بداية الثورة عام 2011 سرعان ما انهارت تلك العقيدة، عند الآلاف الذين أنشقوا عن الجيش، بالمقابل ظهرت حقيقة تلك العقيدة في صفوف من بقي في ذلك الجيش، الذي تحول اليوم إلى خليط من بقية الجيش وعدد كبير من الميليشيات المحلية والأجنبية، حيث رافق تلك الفترة انتشار الكثير من عبارات التحدي للشعب كعبارات “الأسد أو لا أحد”؛ “الأسد أو نحرق البلد”؛ “حاربوك ونسيوا مين أبوك”؛ “إن عدتم عدنا” وهذه الأخيرة مقتبسة من الآية الثامنة من سورة الاسراء ولا مشكلة في الاقتباس من القرآن الكريم طالما أنه يخدم غايتهم.


وطن؛ شرف؛ إخلاص، ثلاث كلمات هي شعار الجيش السوري منذ تأسيسه، ويتم وضعها على سواعد العسكريين بمختلف اختصاصاتهم ورتبهم، كما أنها موجودة على أعلام الجيش السوري والقوى الرئيسية إلا أن الواقع يقول أن الجيش يفتقر لهذه الكلمات في ممارسته العملية، حتى عبارة “حماة الديار” والتي يبدأ بها النشيد الوطني خص بها نفسه دون غيره وجيرها في خدمته، علماً أن القصيدة كتبها الشاعر خليل مردم بك في عام 1936، أي قبل عشرة سنوات على تأسيس الجيش السوري، وعلى الرغم من مرور عشرين عاماً على موت حافظ الأسد، ما زالت عبارة “لعيونك يا بو سليمان” تصدح في الحناجر ولكن لا الجولان تحرر ولا بقي “الأسد للأبد” في ظل وجود سورية تحت احتلال قوات من سبعة دول أجنبية على الأقل وعشرات الميليشيات العابرة للحدود.

بواسطة Muhsen ALMustafa 05 Nov, 2024
Bashar al-Assad issued Legislative Decree No. 27 of 2024, as part of an ongoing series of “amnesty” decrees since 2011. Although promoted by the regime as a positive step, this amnesty excludes political detainees
بواسطة Muhsen ALMustafa 30 Oct, 2024
أصدر بشار الأسد المرسوم التشريعي رقم 27 لعام 2024، ضمن سلسلة مراسيم "عفو" مستمرة منذ 2011. ورغم الترويج له من قبل النظام كخطوة إيجابية، إلا أنه يستثني المعتقلين السياسيين والمطلوبين للأجهزة الأمنية، ما يحد من فعاليته ويؤكد استخدام النظام لهذه المراسيم كأدوات سياسية.
بواسطة Muhsen ALMustafa 17 Oct, 2024
Mohammad Ghazi Al-Jalali has been tasked with forming a new government in Syria following the 2024 parliamentary elections. The changes in the government’s composition are minor, with an increase in the share of the Baath Party at the expense of other political parties. Despite these adjustments, the influence of the security apparatus continues to dominate the government formation process, and the Syrian regime remains the primary actor responsible for the ongoing crises.
بواسطة Muhsen ALMustafa 14 Oct, 2024
منع نظام الأسد خلال الفترة ما بين عامي 2010 و2023 نشر /140/ تشريعاً، /110/ منها صدرت بمراسيم تشريعية، و/30/ صدرت بقوانين، واستند على المادة 3 من قانون النشر 5 لعام 2004
بواسطة Muhsen ALMustafa 07 Oct, 2024
زيادة حصة البعث وتغيير طفيف في التركيبة الدينية.. ما الجديد في حكومة الجلالي؟
بواسطة Muhsen ALMustafa 23 Aug, 2024
According to Article 64 of the 2012 constitution, Bashar al-Assad could have convened the new People's Assembly on any day.
مزيد من المنشورات
Share by: